للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحساب والعقاب، فإما إلى جنة، وإما إلى نار، حيث النعيم الأبدى، والعقاب الأبدى.

هكذا جاء فى القرآن الكريم، وفى شرع الله، ولكن هذه الحقيقة صدمت الكثيرين من أهل الجاهلية فى اعتقاداتهم التى ورثوها، وأخذوا يتناقلونها من أن الموت نهاية كل حى، ولا حساب، ولا عقاب، ولا بعث، ولا نشور، وإنما هى أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر.

وتصور الآيات القرآنية هذا التفكير والاعتقاد، ونسيان الآخرة، وما أعد الله فى هذا اليوم الموعود بقوله تعالى: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [الجاثية: ٢٤].

اعتقدوا هذا الاعتقاد، وسيطر على تفكيرهم، حتى أنهم أرجعوا ذلك إلى الدهر، وما يأتى به من أحداث. كان هذا التفكير مقدمة إلى تفكير أهل الزيغ والإلحاد فى العصر الحاضر، الذى يقول بالطبيعة وما تجريه من أحداث.

الدين وما يأتى به فى القرآن الكريم تحارب هذا اللون من التفكير، والابتعاد عن استخدام العقل والمنطق فى تصحيح المسار، فكل شىء خلقه الله من حياة، وموت، وصحة، ومرض، وسعادة، وشقاء، ورزق، وفقر، والقادر على الإحياء قادر على الإماتة، والقادر على الإنشاء والبدء قادر كذلك على الإعادة مرة ثانية.

ودليل هذا من واقع الحياة، فالإنسان الذى ينشئ شيئا من غير نموذج سبق، يستطيع بعد ذلك أن يعيد ترتيبه وإعادته من جديد دون صعوبة فى ذلك.

وهكذا جابه الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الكافر الذى أتى بعظم قد رمّ، وفتته بين يدى رسول الله، وقال: يا محمد، أيحيى الله هذا بعد أن تفتت وأصبح رميما؟ قال: «نعم، ويدخلك النار».

فالله قادر على أن يجعل العظم الرميم إنسانا، فقد خلقه أصلا من ماء مهين، ثم تطور فى بطن أمه حتى ولد، وصار إنسانا يجادل ربه ويخاصمه، ويطلب منه الدليل والبرهان، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: ٧٧ - ٧٩].

<<  <   >  >>