للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يغفر الناس لهما هذه الزلات؛ لجهلهما وغفلتهما، ولكن الذى لا يغتفر أن تقع هذه الزلات ممن يدرك أبعادها، ومن يقصد إلى غايتها، ويميل به الهوى، ويجر على نفسه ومجتمعه ودينه الدمار والهلاك.

وفى مقابل ذلك صلاح يؤدى إلى صلاح الحياة والعالم، فهذا العالم بمثابة الرأس من الجسد، والقلب من الإنسان، له أجره المضاعف، وثوابه الكبير بما ينطق به من قول طيب، وما يسطره من فكر.

وإذا كان قد بدأ بالإنسان وما يصدر منه من قول وعمل، وما إلى ذلك من مؤثرات فى النفس والمجتمع فى الكلمة الطيبة والعمل الصالح، وفى مقابلهما من كلمة خبيثة وعمل خبيث يؤديان إلى فساد الحياة والنفس، فإنه فى التدرج التالى لهذه الكلمة الطيبة كلمة الحق، وما لها من أثر نافع لا يزول مع الأيام، والكلمة الخبيثة كلمة الباطل الذى يذهب جفاء.

تدرج نراه فى ذلك المثل الرائع الذى صورته لنا الآية الكريمة فى تلك الصورة التى استمدت جزئياتها من الطبيعة بما فيها من أرض وسماء، ومن حياة الناس فيما يتخذون من أدوات مستخدمة فى الحياة، كل ذلك امتداد طبيعى لتقوية وتثبيت الفكرة الأساسية، التى بنى عليها المثل السابق من طريق الخير المؤدى إلى الفلاح، وتبيان طريق الضلال والشر المؤديان إلى الفساد.

٢ - قال الله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ [الرعد: ١٧].

أتى هذا المثل عقب آية قرآنية حوت كل قيمة بناءة فى بناء العقيدة الصحيحة، من الاعتقاد، والإيمان بالله رب السموات والأرض، وأنه الجدير بالعبادة والطاعة وحده، وأن الانحراف والشرك بالله باتخاذ تلك الأصنام التى لا تضر ولا تنفع، إنما يعد نقصا فى الإيمان والتفكير، وخروجا عن حد الاعتدال، فلا يصح فى حكم العقل أن يتساوى الناقص بالكامل، والأعمى والبصير، والظلمات والنور، وكذلك لا يتساوى من بيده القدرة على الخلق والإيجاد، وغير الخالق، فالله خالق كل شىء وهو الواحد القهار:

<<  <   >  >>