للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصل من صاحبه إلى الآخرين، فيتأثرون به، ويقتدرون، ويعملون، وقد عبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديثه عن الجليس الصالح: «إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد ريحا طيبة».

وهكذا كانت الحكمة الإلهية من وراء الزكاة المفروضة لإعادة الاعتدال إلى تلك المجتمعات الخربة، التى تبدو فى تفاوتات عجيبة، ومستويات متناقضة، تئن من كثرة ما بها من أمراض اجتماعية واقتصادية.

إعادة التوازن فى هذه المجتمعات لا يكون إلا بالعطاء الناجم عن الاقتناع، والبذل للحق المعلوم الذى فرضه رب العباد، وهو العالم بالحقائق، الخبير بما يصلح البشر، ويزيل ما بها من أحقاد وكراهية قد تؤدى إلى أوخم العواقب، من قتل، وحروب، وصراعات عديدة، تأكل الأخضر واليابس.

٢ - قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ [البقرة: ٢٦٤].

الجو العام للآيات السابقة للمثل هو الدعوة للإنفاق فى وجوه الخير، وفى سبيل الله، وبذل المال، وإعطاء المحتاجين، وإخراج حق الله فى هذا المال الذى أنعم به على الإنسان وجعله مستخلفا فيه، يخرجه عن طيب نفس، وغير مقرون بمنّ يضيع من ثوابه، أو أذى يؤلم نفس الآخذ، وفى ذلك الثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى، ولا خوف على المنفق من ضياع مال فى الدنيا، أو حرمان من ثواب الآخرة، بل فى هذا العمل سرور نفس، وطمأنينة قلب، ورضا عن الفعل والعمل، وخير للإنسان الذى لا يملك ما يقدمه أن يرد ردا جميلا، فلا يلفظ بما يجرح كبرياء الإنسان، أو يهين كرامته.

قال الله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة: ٢٦٢، ٢٦٣].

يعرض المثل القرآنى صورة تلك النفس الإنسانية التى تصدر أعمالا خيرة، وتبذل المال، وتنفق الكثير، ثم تتبع ذلك بما يطفئ نور العمل الذى قدم، بقول خبيث، ولفظ جارح، وعمل سيئ، يذهب الثواب، ويضيع الأجر، فالمرائى وما ينفقه كمثل ذلك

<<  <   >  >>