للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموازنة والمقابلة بين حالتين: سابقة ولاحقة، ففي هذا المثل نرى كيف يحفظ الثواب لصاحبه، ويدخر له فى دنياه وآخرته، لا يضيع عليه شىء من عمله وجهده.

عرض المثل صورة للمخلص فى صورة ناطقة بالعمل، والخير، والأمل، والإنتاج، صورة تلك النفس الخيرة التى تبذل ما بيدها، وتنفق ابتغاء مرضاة الله، ودليلا على تمكن الإيمان من القلب هذه النفس التى استكملت عناصر نجاحها مادة وروحا، كتلك الجنة التى استوفت كل عناصر الخصب، والحياة، والجمال، فى موقعها الفريد، ووفرة المياه، وما بها من شمس، وهواء، وشجر، ثم نزل عليها مطر شديد، فأدى ذلك كله إلى ثمار مضاعفة، وخير كثير، فالجنة تثمر كثيرا، قلّ المطر أو كثر، وهكذا نفقات المخلصين تنمو عند الله العليم بدوافع كل ذلك من إخلاص فى النية، ورغبة فى النفع، قلّت هذه النفقات أو كثرت، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، فهو عليم بمن خلصت قلوبهم فى الصدقة، فلم تبتغ رضا أحد غير الله تعالى، فيجازيها على إخلاصها واحتسابها الخير لوجه الله.

٤ - قال الله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: ٢٦٦].

صورة مكملة للصورة السابقة، وتمثل نهاية النفقة، والصدقة التى اتبعت بالمنّ والأذى أو بالمراءاة، تلك النهاية التى هى المحق الكامل حتى لم يبق من أثرها شىء يفيد صاحبها، فأصبح عاجزا لا يجد ما يستند إليه فى موقفه، فهو شبيه بذلك الشيخ الفانى الذى كبرت به السن، واحترقت جنته التى يعتمد عليها فى معاشه، وكبرت عياله، وقلّ كسبه، فلا يملك من إنتاجها شيئا.

موقف مؤلم لذلك الذى قدم الحسنة، وأتبعها بما يمحقها، كتلك الجنة التى أتى عليها الإعصار بناره المحرقة، فى وقت الحاجة إليها، ولا يستطيع لذلك دفعا، أو لها إنقاذا.

وقد يكون المحق فى الدنيا، فالذى ينفق ماله يكون له من الجاه والسلطان، ما يرفع من مكانته فى مجتمعه، ويفتح له الأبواب المغلقة، ويقضى مصالحه المادية والدنيوية، فإذا ذهب ماله، ذهب جاهه، واحتاج إلى ما غرست يداه، فيحول دون ذلك ما كان له من منّ ماحق، أو أذى، أو رياء، فيحرقها.

<<  <   >  >>