للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مآكلهم، ومشاربهم، وملابسهم، ومناكحهم، ومساكنهم، وأتومبيلاتهم، وجراجاتهم، واستثمار أموالهم، وتكثير أطيانهم وعزبهم، وقصورهم، وبنائهم، وتشييدهم، وتجديدهم، وتصليحهم، لكل ذلك وهذا وغيره يحتاج ضرورة إلى ضياع أكثر الأوقات.

ثم اعلم أنا لا نقول لهم: ألقوا بأموالكم فى البحر، أو بددوها، أو وزعوها على الناس، كلا كلا، بل نحن نعلم أن عزة الإسلام والمسلمين لا تكون إلا بالأموال، ولكنا نقول لهم: وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: ٤١]، انشروا علوم الإسلام على المسلمين، وافتحوا لهم فى البلاد المدارس، وقرروا فيها حفظ القرآن، وتدريس التفاسير وكتب السنة والتوحيد، ووظفوا فيها العلماء العاملين، ورتبوا لهم المرتبات، واحبسوا عليها الأوقاف، فإن خريجى الأزهر يكثرون عاما بعد عام، ولا يجدون كسبا يعيشون به كما تعيشون، بل هم عالة على أهليهم وأقاربهم وعلى الناس، يعلمون كل الوسائل للحصول على وظيفة بمسجد يتعيشون منها، ويجلسون ينتظرون السنين العديدة حتى يبيعوا كتبهم ويخرجوا إلى بلاد الأرياف كى يسهر الواحد منهم فى رمضان عند رجل بجنيه واحد، وبعضهم يعظون فى المساجد، وبعد الوعظ يقول الواحد للناس: إننى عالم مسافر إلى بلدى، وليس معى ما يوصلنى فساعدونى، وبعضهم يبكى ويقول: احترق منزلى أو ثيابى، أو يقول: سرقنى النشال، وهم كاذبون.

وإنما أوقعهم فى الكذب شدة ما هم فيه من الفقر والفاقة، فهلا كفيتم هؤلاء المساكين ذل السؤال؟ هلا سافرتم إلى البلاد ففتشتم على بلد ليس فيه علم فأسستم فيه مسجدا ورتبتم فيه عالما؟ هلا أرسلتم على نفقاتكم وعاظا يجوبون البلاد، ويعلمون العباد، وينشرون الإصلاح، ويخمدون نار الإفساد؟ كلا بل ألهتكم أموالكم عن تبيان أوامر الله ونواهيه، وهلا تدبرتم قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: ١٥٩]، وقوله: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [التوبة: ٢٤].

الطائفة الثانية: جماعة الأغنياء البخلاء، أطغتهم الأموال، وألهتهم الآمال، فكانوا ممن أو كمن قال الله فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ [إبراهيم: ٢٨]، منعوا الزكاة المفروضة، والنفقات الواجبة والمندوبة، فعشوا عن

<<  <   >  >>