وعند ما يقف المؤمن بالقرآن فى وجه المادية الجاهلية فإنه لن «يضبع» بها، ولن يخاف منها، ولن تسترهبه وتقذف الوهن واليأس والاستسلام فى قلبه .. بل سيعرفها على حقيقتها. وعلى انحرافها، وعلى ضآلتها، وعلى قزامتها .. وعلى جعجعتها وانتفاشها، وعلى غرورها وادعائها .. إن القرآن يضعها أمامه بحجمها الطبيعى، ووزنها الطبيعى، بدون هالة مصطنعة، أو انتفاش خادع.
رجال هذه المادية الجاهلية فى المنظار القرآنى «عميان» ونتاجهم فى بلادهم هو نتاج عميان أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩)[الرعد: ١٩].
واهتماماتهم وأهدافهم ورغباتهم إنما هى لهو ولعب الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢)[الطور: ١٢] وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا [الأنعام: ٧٠]، وهم فى حقيقتهم دواب، فى حياتهم وعقولهم إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥)[الأنفال: ٥٥]، ودواب فى أكلهم وشربهم ومعيشهم وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢)[محمد: ١٢] ودواب قادهم الشيطان، واحتنكهم، فأسلموا له قيادهم كما تسلم الدابة قيادها لصاحبها عند ما يسحبها من مقودها لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢)[الإسراء: ٦٢]، وهم سذج أطفال فى تفكيرهم وفى ممارستهم، تنطلى عليهم الألاعيب، ويخدعون بالزخارف كما تخدع الأطفال وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: ١١٢] وهم قد يتعالمون فيدّعون العلمية والمنهجية والموضوعية ولكنهم لا يتمتعون بشيء من هذا، ولو اتصفوا بجزء منه لقادهم نظرهم فى الكون والحياة إلى الخضوع الكامل الشامل لله