للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يُصلي جالسًا ألف ركعة، فإذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة، ويقول: عجبتُ للخليقة كيف أَنِسَتْ بسواك، بل عَجِبْتُ للخليقة كيف استنارت قلوبُها بذكر سِواك.

وكان بعضُهم يَصومُ الدَّهرَ، فإذا كان وقتُ الفطور، قال: أحسُّ نفسي تخرُج لاشتغالي عن الذكر بالأكل.

قيل لمحمد بن النضر: أما تستوحِشُ وحدَك؟ قال: كيف أستوحِشُ وهو يقول: أنا جليسُ من ذكرني؟ (١)

كَتمتُ اسمَ الحبيب من العبادِ … ورَدَّدتُ الصَّبابةَ في فُؤادي

فَواشَوقًا إلى بَلدٍ خَلِيٍّ … لعلِّي باسم مَنْ أَهوى أُنادي

فإذا قَوِي حالُ المحبِّ ومعرفته، لم يشغَلْهُ عن الذكر بالقلب واللسان شاغل، فهو بَينَ الخلق بجسمه، وقلبه معلق بالمحلِّ الأعلى، كما قال عليٌّ رضي الله عنه في وصفهم: صَحِبوا الدُّنيا بأجسادٍ أرواحُها معلقة بالمحلِّ الأعلى، وفي هذا المعنى قيل:

جِسمي معي غير أنَّ الروحَ عندكم … فالجِسمُ في غُربةٍ والرُّوحُ في وطن

وقال غيره:

ولقَد جَعلتُكَ في الفُؤاد مُحدِّثي … وأَبحْتُ جِسمي من أراد جُلوسي

فالجِسمُ منِّي للجَليس مُؤَانسٌ … وحَبيبُ قلبي في الفؤاد أنيسي

وهذه كانت حالة الرسل والصدِّيقين، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا


(١) "صفة الصفوة" ٣/ ١٥٩ - ١٦٠، و"السير" ٨/ ١٧٥، وقوله: "أنا جليس من ذكرني" لا يصح، وذكره السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص ٩٥، وقال: رواه الديلمي بلا سند عن عائشة مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>