ومن أمثلة ذلك وهو شبيه بالمثل الذي ضربه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: من سيَّبَ دابَّته ترعى بقُرْب زرع غيرِه، فإنَّه ضامن لما أفسدته من الزرع، ولو كان ذلك نهارًا، هذا هو الصحيح؛ لأنَّه مُفَرِّطٌ بإرسالها في هذه الحال.
وكذا الخلافُ لو أرسل كلبَ الصَّيدِ قريبًا من الحرم، فدخل الحرمَ فصاد فيه، ففي ضمانه روايتان عن أحمد، وقيل: يضمنه بكل حال.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب"، فيه إشارة إلى أنَّ صلاحَ حركاتِ العبدِ بجوارحه، واجتنابه للمحرَّمات واتِّقاءه للشُّبهات بحسب صلاحِ حركةِ قلبِه.
فإن كان قلبُه سليمًا، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يُحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركاتُ الجوارح كلّها، ونشأ عن ذلك اجتنابُ المحرَّماتِ كلها، وتوقي الشبهات حذرًا مِنَ الوقوعِ في المحرّمات.
وإن كان القلبً فاسدًا، قدِ استولى عليه اتِّباعُ هواه، وطلب ما يحبُّه، ولو كرهه الله، فسدت حركاتُ الجوارح كلها، وانبعثت إلى كلِّ المعاصي والمشتبهات بحسب اتِّباع هوى القلب.
ولهذا يقال: القلبُ مَلِكُ الأعضاء، وبقيَّةُ الأعضاءِ جنودُه، وهم مع هذا جنودٌ طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيءٍ من ذلك، فإنَّ كان الملكُ صالحًا كانت هذه الجنود صالحةً، وإن كان فاسدًا كانت جنودُه بهذه المثابَةِ فاسدةً، ولا ينفع عند الله إلا القلبُ السليم، كما قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: ٨٨ - ٨٩]،
= (١٣٢)، والنسائي ١/ ١٥٩، وابن ماجه (٦٣٦) عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر إحدانا إذا كانت حائضًا أن تتَّزر، ثم يباشرها. وصححه ابن حبان (١٣٦٤).