للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: "أَسأَلُكَ قلبًا سليمًا" (١)، فالقلب السليم: هو السالم من الآفات والمكروهات كلُّها، وهو القلبُ الذي ليس فيه سوى محبة الله وما يحبُّه الله، وخشية الله، وخشية ما يُباعد منه.

وفي "مسند" الإِمام أحمد (٢) عن أنس عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه ".

والمراد باستقامة إيمانه: استقامةُ أعمال جوارحه، فإنَّ أعمالَ الجوارحِ لا تستقيمُ إلَّا باستقامة القلب، ومعنى استقامة القلب أن يكونَ ممتلئًا مِنْ محبَّةِ الله، ومحبَّة طاعته، وكراهة معصيته.

قال الحسن لرجل: داوِ قلبكَ؛ فإنَّ حاجة الله إلى العباد صلاحُ قلوبهم: يعني أنَّ مراده منهم ومطلوبه صلاحُ قلوبهم، فلا صلاحَ للقلوب حتى تستقرَّ فيها معرفةُ اللهِ وعظمتُه ومحبَّتُه وخشيتُهُ ومهابتُه ورجاؤهُ والتوكلُ عليه، وتمتلئَ مِنْ ذلك، وهذا هو حقيقةُ التوحيد، وهو معنى "لا إله إلَّا الله"، فلا صلاحَ للقلوب حتَّى يكونَ إلهُها الذي تألَهُه وتعرفه وتحبُّه وتخشاه هو الله وحده لا شريكَ له، ولو كان في السماوات والأرض إله يُؤَلَّه سوى الله، لفسدت بذلك السماوات والأرض، كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢].


(١) روى أحمد ٤/ ١٢٥، والترمذي (٣٤٥٧)، والنسائي ٣/ ٥٤ عن شداد بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في صلاته: "اللهمّ إني أسألكَ الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم ". وصححه ابن حبان (١٩٧٤)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(٢) ٣/ ١٩٨، وتمامه: "ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجلٌ الجنة لا يأمن جاره بوائقه ". وذكره الهيثمي في "المجمع" ١/ ٥٣، وقال: فيه علي بن مسعدة، وثقه جماعة، وضعّفه آخرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>