للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فعلم بذلك أنَّه لا صلاحَ للعالَم العلويِّ والسُّفليّ معًا حتى تكونَ حركاتُ أهلها كلُّها لله، وحركاتُ الجسدِ تابعةً لحركةِ القلب وإرادته، فإنَّ كانت حركتُه وإرادتُه لله وحدَه، فقد صَلَحَ وصَلَحَتْ حركاتُ الجسدِ كله، وإن كانت حركةُ القلب وارادته لغيرِ الله تعالى، فسدَ، وفسدت حركاتُ الجسد بحسب فساد حركة القلب.

وروى الليثُ عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: ١٥١] قال: لا تحبُّوا غيري.

وفي "صحيح الحاكم" (١) عن عائشة عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشِّركُ أخفى من دبيب الذرِّ على الصفا في اللَّيلة الظَّلماء، وأدناهُ أن تُحِبَّ على شيءٍ من الجور، وأن تُبغض على شيءٍ من العدل، وهل الدِّينُ إلا الحبّ والبغض؟ قال الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (٢) [آل عمران: ٣١]. فهذا يدلُّ على أن محبةَ ما يكرهه اللهَ، وبغضَ ما يُحبه متابعةٌ للهوى، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفيِّ، ويدلّ على ذلك قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فجعل الله علامة الصدق في محبته اتباعَ رسولهِ، فدلَّ على أن المحبَة لا تتمّ بدون الطاعة والموافقة.

قال الحسن: قال أصحابُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، إنَّا نُحِبُّ ربنا حبًا شديدًا. فأحبَّ الله أن يجعل لحبه عَلَمًا، فأنزل الله هذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. ومن هنا قال الحسن: اعلم أنك لن تُحِبَّ الله حتى تُحِبَّ طاعته.


(١) ٢/ ٢٩١، وصححه على شرط الشَّيخين، وردَّه الذهبي بقوله: عبد الأعلى (أحد رواة الحديث) قال الدارقطني: ليس بثقة.
(٢) رواه ابن جرير في "تفسيره" (٦٨٤٨) من طريق أبي بكر الحنفي، عن عبَّاد بن منصور عن الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>