حتى يكونَ تقرُّبًا منه بالخبيث، وإنَّما هي صدقةٌ عن مالكه، ليكون نفعُه له في الآخرة حيث يتعذَّرُ عليه الانتفاعُ به في الدنيا.
وقوله:"ثم ذكر الرجل يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ، يمدّ يديه إلى السَّماء: يا رب، يا رب، ومطعمُه حرام، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟! ".
هذا الكلام أشار فيه - صلى الله عليه وسلم - إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابَته، وإلى ما يمنع من إجابته، فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعة:
أحدها: إطالةُ السفر، والسفر بمجرَّده يقتضي إجابةَ الدعاء، كما في حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثُ دعواتٍ مستجابات لا شك فيهن: دعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافر، ودعوةُ الوالد لولده"(١) خرَّجه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وعنده:"دعوة الوالد على ولده ".
وروي مثله عن ابن مسعود من قوله.
ومتى طال السفر، كان أقربَ إلى إجابةِ الدُّعاء؛ لأنَّه مَظِنَّةُ حصول انكسار النفس بطول الغُربة عن الأوطان، وتحمُّل المشاق، والانكسارُ من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
والثاني: حصولُ التبذُّل في اللِّباس والهيئة بالشعث والإغبرار، وهو - أيضًا - من المقتضيات لإجابة الدُّعاء، كما في الحديث المشهور عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "ربَّ
(١) حديث حسن رواه أبو داود (١٥٣٦)، والترمذي (١٩٠٥) و (٣٤٤٨)، وابن ماجه (٣٨٦٢)، وأحمد ٢/ ٢٥٨، والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٢) و (٤٨١)، وصححه ابن حبان (٢٦٩٩)، وله شاهد يتقوى به من حديث عقبة بن عامر عند أحمد ٤/ ١٥٤.