للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والِإحسانُ في ترك المحرَّمات: الانتهاءُ عنها، وتركُ ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: ١٢٠]. فهذا القدرُ من الإحسان فيها واجب.

وأما الإِحسانُ في الصبر على المقدورات، فأن يأتي بالصبر عليها على وجهه من غير تَسَخُّطٍ ولا جَزَع.

والإحسانُ الواجبُ في معاملة الخلق ومعاشرتهم: القيامُ بما أوجب الله من حقوق ذلك كلِّه، والِإحسانُ الواجب في ولاية الخلق وسياستهم، القيام بواجبات الولاية كُلِّها، والقدرُ الزائد على الواجب في ذلك كلِّه إحسانٌ ليس بواجب.

والإحسانُ في قتل ما يجوزُ قتلُه من الناس والدواب: إزهاقُ نفسه على أسرعِ الوجوه وأسهلِها وأوحاها من غير زيادةٍ في التعذيب، فإنه إيلامٌ لا حاجة إليه. وهذا النوعُ هو الذي ذكره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، ولعله ذكره على سبيلِ المثال، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال فقال: "إذا قتلتُم فأحسِنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة" والقِتلة والذِّبحة بالكسر، أي: الهيئة، والمعنى: أحسنوا هيئة الذبح، وهيئة القتل. وهذا يدلّ على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يُباحُ ازهاقُها على أسهلِ الوجوه. وقد حكى ابنُ حَزمٍ الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة، وأسهلُ وجوه قتل الأدمي ضربه بالسيف على العنق، قال الله تعالى في حقِّ الكفار: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤]، وقال تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: ١٢]. وقد قيل: إنه عين الموضع الذي يكونُ الضربُ فيه أسهلَ على المقتول وهو فوقَ العظام دونَ الدماغ، ووصى دريدُ بنُ الصِّمة قاتله أن يَقتُلَهُ كذلك (١).


(١) هو دُريد بن الصِّمة الجُشَميّ البكري، شاعر فحل شجاع، كان سيِّد بني جشم وفارسهم=

<<  <  ج: ص:  >  >>