ومعنى ذكره فلا ينسى: ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها.
وقد يغلِبُ استعمالُ التقوى على اجتناب المحرمات كما قال أبو هريرةَ وسئل عن التقوى، فقال: هل أخذتَ طريقًا ذا شوكٍ؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعتَ؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلْتُ عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى. وأخذ هذا المعنى ابنُ المعتز فقال:
واصْنَعْ كماشٍ فَوْقَ أَرْ … ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ ما يَرَى
لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرةً … إنَّ الجِبَالَ مِنَ الحَصَى
وأصلُ التقوى: أن يعلم العبدُ ما يُتقى ثم يتقي، قال عونُ بنُ عبد الله: تمامُ التقوى أن تبتغي علمَ ما لم يُعلم منها إلى ما عُلِمَ منها.
وذكر معروفٌ الكرخيُّ عن بكر بن خُنيسٍ، قال: كيف يكون متقيًا من لا يدري ما يَتَّقي؟ ثم قال معروفٌ: إذا كنت لا تحسن تتقي أكلتَ الربا، وإذا كنت لا تُحسن تتقي لقيتك امرأة فلم تَغُضَّ بصرك، وإذا كنت لا تُحسن تتقي وضعتَ سيفك على عاتقك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمحمد بن مسلمة:"إذا رأيتَ أمتي قد اختلفَتْ، فاعمد إلى سيفِكَ فاضْرِبْ به أُحُدًا" ثم قال معروف: ومجلسي هذا لعله كان ينبغي لنا أن نتَّقِيَهُ، ثم قال: ومجيئكم معي من المسجد إلى هاهنا كان ينبغي لنا أن نتقيه، أليس جاء في الحديث:"إنه فتنة للمتبوع مذلة للتابع"(١)؟ يعني: مشي الناس خلف الرجل.
(١) الخبر بطوله في "حلية الأولياء" ٨/ ٣٦٥. وحديث محمد بن مسلمة رواه ابن أبي شيبة ١٥/ ٣٧، وعنه ابن ماجه (٣٩٦٢) عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت أو على بن زيد بن جدعان، شكَّ أبو بكر، عن أبي بردة قال: دخلت على محمد بن مسلمة =