للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الصغائرُ في حكم المباح الذي لا تَبِعَةَ فيه، وذلك نقضٌ لِعُرى الشريعة.

قلت: قد يقال: لا يُقطع بتكفيرها، لأنَّ أحاديث التَّكفير المطلقة بالأعمال جاءت مقيَّدة بتحسين العمل، كما ورد ذلك في الوضوء والصَّلاة، وحينئذ فلا يتحقق وجودُ حسن العملِ الذي يوجب التكفير، وعلى هذا الاختلاف الذي ذكره ابنُ عطيةَ ينبني الاختلافُ في وجوب التوبة من الصغائر.

وقد خرَّج ابنُ جرير من رواية الحسن أن قومًا أتوا عمر، فقالوا: نرى أشياءَ من كتاب الله لا يُعْمَلُ بها، فقال لرجل منهم: أقرأتَ القرآن كُلَّه؟ قال: نعم، قال: فهل أحصيته (١) في نفسك؟ قال: اللهمَّ لا، قال: فهل أحصيتَه في بصرك؟ فهل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثَرِك؟ ثم تتبَّعهم حتَّى أتى على آخرهم، ثم قال: ثكِلَت عمرَ أمُّه، أتكلفونه أن يُقيمَ على الناس كتاب الله؟ قد علم ربُّنا أنه سيكون لنا سيئات، قال: وتلا {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: ٣١] (٢).

وبإسناده (٣) عن أنس بن مالك أنه قال: لم أرَ مثلَ الذي بلغنا عن ربِّنا تعالى، ثم لم نَخْرُجْ له عن كل أهلٍ ومالٍ، ثم سكت، ثم قال: والله لقد كلَّفنا


(١) يقال: أحصى الشيء: إذا أحاط به وحفظه، يعني: هل استوفيتم القيام بكل ما أمر به في ذلك وحفظتموه وضبطتم العمل به؟ ومنه قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: ٢٠]: أي: لن تطيقوا القيام به.
(٢) الطبري في "جامع البيان" (٩٢٣)، وأورده من طريقه ابن كثير ٢/ ٢٤٥، وقال: إسناد حسن ومتن حسن، وإن كان من رواية الحسن عن عمر، وفيها انقطاع، إلا أن مثل هذا اشتهر، فتكفي شهرته.
(٣) أي الطبري (٩٢٣١) وإسناده صحيح، وأورد الهيثمي في "كشف الأستار" (٢٢٠٠) الرواية الموقوفة عن البزار، وفيه الجلد بن أيوب وهو ضعيف، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٢/ ١٤٥ وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد مرفوعًا عند البزار.

<<  <  ج: ص:  >  >>