فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحاسدوا" يعني: لا يحسُدْ بعضُكم بعضًا، والحسدُ مركوزٌ في طباع البشر، وهو أنَّ الإِنسان يكرهُ أن يفوقَهُ أحدٌ من جنسهِ في شيءٍ من الفضائل.
ثم ينقسم الناس بعدَ هذا إلى أقسام، فمنهم من يسعى في زوال نعمةِ المحسودِ بالبغي عليه بالقول والفعل، ثمَّ منهم من يسعى في نقلِ ذلك إلى نفسه، ومنهم من يَسعى في إزالته عن المحسودِ فقط من غيرِ نقل إلى نفسه، وهو شرُّهما وأخبثهما، وهذا هو الحسدُ المذمومُ المنهيُّ عنه، وهو كان ذنبَ إبليس حيث حسدَ آدمَ - عليه السلام - لمَّا رآه قد فاق على الملائكة بأن خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكتَه، وعلَّمه أسماء كلِّ شيءٍ، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من الجنَّة حتَّى أخرج منها، ويروى عن ابن عمرَ أنَّ إبليسَ قال لنوح: اثنتان بهما أُهلك بني آدم: الحسد، وبالحسد لُعِنتُ وجُعلتُ شيطانًا رجيمًا، والحرص [وبالحرص] أُبيح آدمُ الجنةَ كلَّها، فأصبتُ حاجتي منه بالحرص. خرَّجه ابنُ أبي الدُّنيا.
وقد وصف الله اليهودَ بالحسد في مواضع من كتابه القرآن، كقوله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}[البقرة: ١٠٩]، وقوله:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٥٤].
وخرَّج الإِمام أحمد والترمذي من حديث الزُّبير بن العوَّام، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "دبَّ إليكم داءُ الأمم من قبلكم: الحسدُ والبغضاءُ، والبغضاءُ هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقةُ الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تُؤمنوا حتى تحابُّوا، أولا أُنبئكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفشوا السَّلام بينكم"(١).
(١) رواه أحمد ١/ ١٦٥ و ١٦٧، والترمذي (٢٥١٠)، وعبد الرزاق (١٩٤٣٨)، والبغوي (٣٣٠١)، والبزار (٢٠٠٢)، وابن عبد البر في "التمهيد" ٦/ ١٢٠ و ١٢١، وفي سنده =