للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمنازعته الله صفاته التي لا تليقُ بالمخلوق، كفى بها شرًا.

وفي "صحيح ابن حبان" (١) عن فَضالة بنِ عُبيدٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ثلاثة لا يُسأل عنهم: رجلٌ يُنازع الله إزاره، ورجلٌ يُنازِعُ الله رداءَه، فإنَّ رداءَه الكبرياء، وإزاره العزُّ، ورجلٌ في شكٍّ من أمر الله تعالى والقُنوطِ من رحمة الله".

وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من قال: هلكَ النَّاسُ، فهو أهلكُهم" (٢) قال مالك: إذا قال ذلك تحزُّنًا لِما يرى في الناس، يعني في دينهم فلا أرى به بأسًا، وإذا قال ذلك عُجبًا بنفسه، وتصاغُرًا للناس، فهو المكروهُ الذي نُهي عنه. ذكره أبو داود في "سننه" (٣).

قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دمهُ ومالُه وعِرضه" هذا ممَّا كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب به في المجامع العظيمةِ، فإنَّه خطب به في حَجّةِ الوداع يومَ النَّحر، ويومَ عرفةَ، واليوم الثاني من أيَّام التَّشريق، وقال: "إن دماءَكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في


= ينازعني ذلك أعذبه". ومعنى "ينازعني" يتخلق بذلك فيصير في معنى المشارك، وهذا وعيد شديد في الكِبْر، مصرح بتحريمه. وأما تسميته إزارًا ورداءً فمجاز واستعارة حسنة، كما تقول العرب: فلان شعارُه الزهد، ودِثاره التقوى، لا يريدون الثوبَ الذي هو شعار أو دثار، بل معناه صفته، كذا قال المازري، ومعنى الاستعارة هنا أن الإِزار والرداء يلصقان بالإِنسان ويلزمانه، وهما جمال له، قال: فضُرب ذلك مثلًا لكون العز والكبرياء بالله تعالى ألزم، واقتضاهما جلاله، ومن مشهور كلام العرب: فلان واسع الرداء، وغَمْرُ الرداء، أي: واسع العطية.
(١) برقم (٤٥٥٩).
(٢) رواه مسلم (٢٦٢٣)، ومالك ٢/ ٩٨٤، وأبو داود (٤٩٨٣).
(٣) بإثر الحديث (٤٩٨٣)، وذكره أيضًا البغوي في "شرح السنة" ١٣/ ١٤٤ والنووي في "شرح مسلم" ١٦/ ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>