حكَى القاسمُ بنُ جريال، قالَ: اجتويتُ جيرونَ عاماً لا عِلّةَ بهِ قَطّ، ولا جبذَ زِمامَ نوقِ مَنْ أحِبُّ بهِ الشَّحْط، وأنا في شَرْخ شَبَابٍ ما شابَه الوَخطُ، ولا خالطَ خطَّ عِذاري شَكْلُ البياض ولا النَّقْطُ، فخَرَجْتُ بقلبٍ منَ الجَوى وَجِل، ومَنسْم إلى الوَجىَ عَجِل، لا أتشوَّق إلى مرافق، ولا أتوقَّفُ على قَرقفِ موافقةِ موافق، فحينَ ظَهَرَتْ ثنيةُ العُقاب، وعَقَرَتْ بفَم الرِّحلَةِ ثنية الأعقابِ، أقبلتُ أتقلّدُ قلائدَ الدموع، وأتردَّدُ في ركوبِ رَكوبةِ الرجوع، ولم أزل أتذكّرُ نوائبَ السَّلفِ، وأتوقَّعُ توقيعَ ديوانِ وقائع التلَفِ، إلى أنْ شاهدْتُ المُناخ واتخْتُ الشَّدنيَّةَ مَعْ من أناخَ، فقُمْتُ حينَ رقَدَ التوقّدُ وباخَ، وتسنّمَتْ سُلامي النسيم السباخَ، لأصطفي صديقاً يُعادلني، أو أرتادَ رقيقاً لا يجادلني، فألقيتُ أبا نصر المصريَّ ينتجعُ شآبيب المعادلة، ويختلعُ رعابيبَ الخاتلةِ، فجنحتُ إليهِ جنوحَ مَنْ حظِيَ بربح نجائهِ، ووقَفَ مِنَ الأملِ على أرجائهِ، وأيقنتُ أنْ قَدْ فُزْتُ بلقائه، وإنْ كنتُ لأجِدُ ريحَ يوسفِ الحَذَرِ من تلقائه، فلمّا ألبسَني حُقل حِمْلاقِه، وألبستُ بَصَري قميصَ إملاقه، مالَ إلى مصافحتي، وأذكرَني أيام مناوحتي، ثم قالَ لي: إلامَ تركبُ التلاتلَ، وتصحبُ المخاتلَ، وتقلقُ المَقاتلَ، وتقلقلُ المُقاتلَ، فقلتُ لهُ: إلى أنْ ينشرَ مَيْتُ إفاقتي، وتُطوى من أجزاع الجزَع دروعُ فاقتي، ومعَ مفارقةِ منْ ضمَّهُ صيْرُكَ، وعمَّهُ عصيرُكَ، فإلى أينَ مصيرُكَ، وبأيّ البُقع يستجمُ قصيرُكَ، فقال لي: بلغَني ما تعطّرتْ بذكره الأكنافُ، وتشوَّفت بصنوفِ أوصافه الأصنافُ، وتشنَّفَتْ به الأسماعُ، وامتدَّتْ إلى طِيْبِ طيبهِ الأطماعُ، من وصفِ الجزيرةِ العمريّةِ، وأرجَ أخلاقِ قومها الشِمَّرية، وما حوَتْ منَ الصفاتِ، والأحكام المنصفاتِ، فحملَني الشوقُ الشديدُ الشامخُ، والتَّوْقُ المَشيدُ المتشامخُ، على أن اتضمَّخَ بصعيدِها، وأتشرَّفَ بوصيدها وصِيْدِها، علَّ أنْ أستخرجَ من عُباِبهم جمُانةً، أو أضَّمَ إلى سَفَطِ ما جَمَعْتُهُ مرجانةً، فقلتُ له: متى تخِذَتِ المجرّةُ للكرم جسورا واتَّخذَتِ الخُنسَُّ خوفَ الجلَل سُورا، وقَلّدَتِ الصفائحُ بالمِنَح نحوراً، وضمت الجزائرُ بحوراً وحوراً، فقال لي: سُبحان مَنْ سَلَب سَنا حِسِّكَ السليم، وألجأِ عوج حَدْسِكَ إلى العتابِ الأليم، وأحوجَ عَوَجَ نفسِكَ إلى ثقافة التعليم، ذلك تقديرُ العزيز العليم، ثم قال لي: هل لكَ في الموافقة إليها، وكثرةِ نثارِ هذه الأثنية عليها، لأنسيك مُرَّ انقطاع الرضاع، بحلاوةِ ارتضاع هذا الإيضاع، فقلتُ: من لي بأنْ أحمل ترابَ شراكِكَ، ولو نشِبتُ في شَطنِ إشراكِكَ، وأنسلكَ في علاط عيالكَ ولو رميتُ بسِلاطِ اغتيالك، ثمّ لَمْ نزل نَسري لسَرْوها الرائق بينَ الطرائقِ، ونقطعُ عُرَى العلائقِ، خوفَ العُذْرِ العائقِ، إلى أَنْ قبَّلَ فَمُ فِرسن الدرفسة سقلانَ وتقبَّل أرْيُ المرافقة ذلكً الجُلجلان، وحين ابتهجنا بمفارَقةَ اليَهماء، وولجْنا بابَ سورها السامي على السماءِ: البسيط:
ألفيُتها بَحْرةً بالبحرُِمحْدقَةً ... كأنَّها دُرَّةٌ في لُجِّ مُنْهمر
أو جَوْنةً قُلِّدَتْ بالشهب لَبَّتُها ... لتجتلا بالعُلى يوماً على قَمَر
ثم أخذنا بعدَ تحصيل الغَريفِ، ومدح دَوْحِها الورَيفِ، وحمد زيارةِ جودِّيها الشريفِ، نسبرُ مُرَسَ مراسِها، وشرفَ لِباس باسها، وعدم أدناس ناسِها، فلم نرَ إلاّ مَنْ يطيرُ بالقوادِم، لإسعافِ القادم، ويصافحُ بالعقلِ الثاقبِ، أناملَ الثواقبِ، ويُبرمُ قوى الأمراس، ليوم المِراس، ويُخمدُ أنفاسَ الخَرّاص، بالرُمح العرّاص، لا يلحقُون بحلبةِ محادثةٍ ولا يبرقونَ لحدوثِ حادثةَ محادثة، همهم إرغام المناخر، وإنعاشُ الرميم الناخر، وكسب المفاخر، وفتُّ فؤاد المفاخرِ، يُخْجِلُ نورُ إحكامَهَا القمرينِ، ويعدل عدِلُ حُكّامِها العُمرين، لا تنظرُ سوى أندية بالمناظرة موصوفةٍ، أو نمارِق حِكمٍ فوقَ قُرشُ المنافرةِ مصفوفةِ: البسيط:
كأنَّها جَنّةُ المأوَى وساكنُها ... حُوْرٌ حَوَتْ حُسْنَ أحكام وإحكام
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute