قالَ: فلمّا بلونا سبائكَ بَهارِها، وجَلَوْنا وجوهَ عرائس أزهارِها، تخيرنا وهدةً لزَفْنِ القيانِ، وروضةً لإدارةِ العقيانِ، تجاه جماعةٍ التحفوا بريطِ المطارحةِ، وأتزّروا بإزارِ المناوحةِ، يتدفَقُ حُلْو رحيق تحقيقهِم، ويترقرقُ برقُ جُلِّْ جَزلِهم ورقيقهم، ولما مارتْ أكوابُ مُسطارهم، وحَمِدوا سحائبَ أمطارهِم أحببنا استنشاقَ ألنجوجهم، واختبارَ نطقِ حَبرهم وعُلوجِهم، فقلنا لهم: هل لكم في ارتشاف شمطائنا، والانعطافِ لقطافِ زهرِ وطائنا، فقالوا لنا: تاللهِ لقد رقشتُم بأقلام أوفاضِنا، ورشقْتُم بسيِّ قِسيِّ وفاضنا، واعتقلتم رماح مستفاضنا، واعتلقتُم بقُوى أسبابِ أغراضنا، ثم إنَهم نهضوا من حالهم مرتاحين بحلاوةِ ارتحالِهم، فذكرَ كلّ حديثِ قديماً، وقبل كلّ نديم نديماً، وحل حَلَلنا محلَّ شِقهم وأقبَلنا عَلى نقلِ نُقْلهِم وزقِّهم، ملنا إلى شيِّ الكبابِ، وغيِّ الحَبابِ، ونشر الحِبابِ، وطَيِّ الضِّباب، حتى نصفنا المدامةَ، وعَرَفنا باقلَ القوم من قدامةَ، ولما ثارتْ زَعازعُ نزاعِهمِ، وأثارَتْ هُوج المناظرةِ خرائدَ اختراعِهم، تململ منْ بينهم أتيّ، ظاهرُ الفصاحةِ فتي، وقالَ: يمين اللهِ لقد غُلّتْ يدُ البلاغةِ بعد النواخر واعتلّت أجسامُ المفاخرةِ بين الأواخر، وعادتِ الدرَرُ إلى أصدافهاِ وزاحمَتِ البهائمُ الدُولَ بأَكتافِها، حتَّى لم نَرَ مَنْ يفوهُ بألوكة غريبِةِ، أو يَتِيهُ بوشي صناعةٍ غربيبة، قالَ: فلمّا طافت علينا سُقاة قاله، وتجافتْ جنوبنا عن مضاجع صِقالهِ، وذَوَتْ بُستانُ مسرّتنا الخضراءِ، وانزوِت أرجاءُ أرض نضرتِنا الغضراءِ، أقدم أبو نصر للحديثِ المسحَنفِر، كالغيثِ المثعنَجِر، وقال لَهُ: يا ذا المقْوَلِ الضَاربِ، والمخضَل المُضَاربِ، هلاّ ردعْتَ طلائعَ بدعِك وقد وقدعت بعيضَ عارض سَرعك، لئلا تسير بمنعكَ، سيرَ واخد، وتسوق الورى بقطيع واحدٍ أو ما علمتَ أنَّ بحضرتك، وحوزةِ محاضرتكَ، مَنْ تُزَفُّ عليه أبكارُ البدائع، وتَزِفّ إليهِ حمولةُ حسنِ الثناءِ الذائع، وتمنحهُ الفِكرُ بحسانِها، وتنقادُ لَهُ الزُّبَدُ بأرسانِها، إن قامَ لمعنىً بهرَ، أو أقامَ بمغنىً اشتهر، وأن تلفّظَ بقريضِه، فضحَ الأفاضلَ بإغريضهِ، أو ترنَّمَ باختراعهِ، بلبل البلابلَ بأسجاعهِ، ثم إنّه أدار نظرَهُ عليَّ، وغمزَ بحاجبهِ إليَّ، وقالَ: ها هو بازائكم، والمُجالسُ على مُزّائِكمَ فإن شئتُم أن تبصُروا لؤلؤَ فِصاحهِ، فسارعوا إلى معرفةِ إفصاحهِ أو تَخبروا قِرواحَ قِراحهِ، فبادروا إلى حلِّ حقيبةِ اقتراحهِ، قال القاسمُ بنُ جريالٍ: فأقبلتُ عليهِ، وأقتلتُ مِمَا أشارَ إليهِ، وقلتُ لهم: قَسَماً بمَنْ حَرَم الحَظ المنيحَ، وحرَّمَ على الشحيح المديحَ، إنّهُ لمدرج هذهِ الجبوبِ، ومخرجُ هِتِهِ الريح الجَنوبِ، ومستخرجُ نُقودِ النُخبَ مِنْ هذي الجُيوبِ، الذي أدهشَ بنفائس حوبائهِ، واحتوشَ الحِكمَ إلى حَرمَ حِوائهِ، وترك كلاً يصبو إلى وشائه ويحشو بعرَ شائه بإنشائه، وأننِّي لدى تبره الخالص، وبحرهِ الغائص، كالدرهم الردي، والدرِع النّدي، وأنّهُ مِمَّن يقتلُ، ولا يدِي، ويصيدُ الأفاعي على يدي، فإيّاكَ وأن تصطلي بنارهِ، أو تبتلى غَواربَ تيّارهِ، فإنّه إنْ شَربَ شَربِ خابيةً، وإنما أخذ أخذ أخذةً رابيةً، فقال لَهُم: أرى كلاً شاهداً لرفيقهِ، قاصراً عن صعودِ عَقَبةِ فِيقه، عاجزاً عن مدِّ شعر أفيقهِ، قال: فزجرَهُ القومُ على مسيلِ ثقاله، وفكِّ عقالهِ في مقالهِ، وقالوا له: أنت يا هذا قدمْتَ بالأمس، بعد مفارقةِ الخْمس، ولم تعرف الضبارمة من النمْس، فكيفَ تَحاربُ العقاربُ السودَ، ويضارع السَّيد المسودَ فأخضعْ لفيضَ فضيلهما، ولا تمتر في إصابةِ نَبْلِ نَيْلِ نُيلهَما، قال: فأنه اكتأبَ لفَرَطاته، فعطفِ ليتَه إلى قَطاتهِ، وجعل يفكرُ في وَرطاته، بعد أنْ عظُمَ عليهِ وشقَّ، وقدَّ قميصَ يوسفِ سرورهِ فانشقّ فلمّا عرَفَ أبو نصر ضيقَ صَدرهِ، وطلوعَ غمائم غَمْغَمَةِ فِكرهِ، أخذَ في تغميزِ قَدَمه، وتمزيقِ زيقِ ندمهِ، وقالَ لهُ: أدنُ بحياتِكَ إليَّ، واقترحُ بما تحبُّه عليَّ، لئلا يعُمَّ صفوَ صحونا نَغَصٌ ولا يَضُمَّ شحرور انشراح قلبِنَا قَفَصٌ، ولتعلم أنَّ كل فصيح إلى وصيدِ إفصاحي يَصيرُ، وكلَّ بليغ تحتَ ألويةِ جيوش بإنشائي يسيرُ، فقال له:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute