للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَوى القاسمُ بنُ جريال، قالَ: لمّا اشتملتُ بشَمْلَةِ شأو الرَّشاد، وارتحلْتُ حِلالَ الحلاوة الإرشاد، اطَّرَحَتُ محاورةَ ذلك الجَناب، وسَرَحْتُ بينَ أطناب ذيّالكَ الإطنابِ، وجعلتُ أستنشِقُ ريْحَ البَرَم والبانِ، واستنجع لبِانَ ذيّاكَ اللَّبانِ، وألازُم حِمَى المناسماتِ، وأنادمُ دُمَى المنادماتِ، وأنتَهِبُ ذَهَبَ أباريقِ المِزَاج، مِنْ يَدِ أشكالِ أباريقِ الزَجاج، وأجتَنِي مَعَ مجانبةِ الظَابِ، شُهْدَ مَراشفِ العَطَر الرضابِ، فما برحَ ذلكَ من نَطافةِ شِعارِي، وشهامةِ عشارى، وسلامةِ يُعاري، ومباعدة عَرِّى وعاري، عِلاطاً لانخراطِي، وسِراطَا لاختراطي، إلى أن عُدْتُ عرَيفَ كَلِ دسكرةَ، وغريفَ كلِ مُسكرةٍ، وجليفَ كلّ حانة، وحليفَ كل ريحانةٍ، وأليفَ كلِّ عانةٍ وخليف كلِّ مِظعانة، فبينما أنا ذاتَ يوم على ثَبجَ المسروج، أتنقلُ في بروج المروج، ألفيتُ سيّارةً تسرحُ في رفاهَةِ، وتنفحُ بنسم نبَاهةٍ، شارعةً هوادِيَ الألهوب، راتعةَ في ذلاذل الذُهوب، فسألتُهم عن العَطَن والحلول، وغبَرّ ذلك الجفولِ، فقالوا لي: أمّا المعهدُ فغانة، وأما المقصدُ فعانه، فقلتُ لَهم: يا للَعجب أتنضون مِنَ المغارب سَمنَ الغارب، وتنصّون طَلبَ المآربِ، بإثارةِ الأثاربِ، أفٍّ لِمَنْ يعجبهُ الإهرابُ وتضوي به العِرابُ، ويستخفّهُ الإترابُ، ولا يملأ عينَه إلاَ الترابُ، فقالوا: يا هذا نراكَ غيرَ مكترثٍ بخَجَلي، ومشرقاً من العجلةِ على وَجل، ولكنْ خُلِقَ الإنسانُ من عَجَلِ فقلت لهم.: إنني مِنَ المسرفينَ، ولهذهِ الجرأة من المقترفين، فاصفحُوا رعاكم الله حيثُ ترعون ولا مُنعتُمُ العون أين تسعُون، فقالوا لي: أما إذ زجرتَ نفسكَ بالإنذار، وسَدَلْتَ لهفوتِكَ ستورَ الاعتذار، فسننبئكُ بتأويلِ مرادِنَا وطلوع شُموس أرادنا ثم قالُوا: اعلمْ بأنِّنا ممَّنْ فارقَ ولائد الكِناس، لمواصلةِ خرائدِ الكأس، وباع بدائعَ الأحلاس، لشراءِ جلائلِ الجُلاّس، فأنت مِمَّنْ يستضيء بضوءِ هذا النبراس، ويسُلُّ سيوفَ المنافسةِ ليوم هذا المراس، فقلتُ: أنا مِمّنْ اعتلَى ظهور الجلامدِ، واشترَى الذهب الذائب بالجامدِ، وأنفقَ صُرَرَ آلافهِ على ألافه، وأراقَ دمَ سُلافهِ لدى أسلافهِ، فهلْ لكُم في مرافقتي، مع وجودِ نفقتي، وامتطاءِ مطيتي، معَ صَفَاءِ طويّتي، وامتلاء سابي، معَ سَعَةِ اكتسابي، فقالوا: أهلاً بمرافقتك، ولو مع فاقتِكَ، وسهلاً بانتسابِكَ، ولو بعدم اكتسابِكَ، ومرحباً بحسْنِ اكتسابِك، ولَوْ بفسادِ سابِكَ، قال القاسمُ بنُ جريال: فانسلكتُ بأمراسِهم، وشكرتُ نفائسَ أنفاسهم ولم نزلْ نشقِّقُ شِمَال الشمالِ، ونخرّق بنائَق جدُدِ الجُدَد والأسمالِ، إلى أنْ ولجْنا عانة، وأنضْينا العيرانةَ الريعانةَ، ولمّا كسْرنَا عُصِيَّ الإدلاج، وأسرْنَا فوارسَ عساكر الإدلاج، طفِقْنا نسرحُ لرَبّات الرَّناتِ ونتصفحُ صَحائفَ الحاناتِ، معَ منادمةِ الرَذاذِ والوابلِ، واليراع والنابل، حتى حَوَيْنَا ألبانَ تلك الحُلوبِ، واهتديْنَا لهدايةِ الخائنِ الخلوبِ، ثمَ إنْ صيتَنا اتَّصلَ بأمير مكانها، وسائس سكانِها، فأرسلَ إلينا أحدَ أتباعهِ، ليجعلَنا مِمّنْ يَنعمُ بمرباعهِ، ويُنعُم بكرائم رباعه على رباعه، فحينَ حصًّلنا إلى حِوائهِ، وحصَلْنا على لطائِف حِبائه، وأعجبهُ جَنىُّ منافستِنا في مناسمتِنا، وأطرَبهُ حَبِيّ محالفتِنا على سُلافتنا، نَفَحنا بصحةِ النيّةِ، وأتحَفنا بالخلع السنيةِ، مشفوعةً بذواتِ الأرسانِ، والسوابح الحسان، فبينا نحنُ ذاتَ يوم بندوتهِ، متجِّملين بجلابيب جَلْوتِه، وقد أَزَّرَ الزَهرُ بَراحَهَا، وسلَّتِ السحُب على الحدائِق صِفَاحَها، خرجَ بجِفان كالأزهارِ، وفتيانٍ كالأقمارِ، وأبكار كالبدورِ، وأخدان خارجينَ من خلالِ الخُدورِ، فلَمّا قعدْنَا لتناوُل شرابهِ المشمولَ، وشملنا شفه الحَسَنُ الشمول، وألفينا سرابيلَ المسَّرة تَسْدكُ، وجمائلُ التجمّل ترْتك: الكامل:

والكأس يَنْهضُ والقَناني تَبْرُك ... والمُزْنُ يبكي والحدائقُ تَضْحكُ

والشُّرْبُ يَشربُ والمَغانِي تَطْرُبُ ... والخَمْرُ تُسكَبُ والمعاني تسُبَكُ

<<  <   >  >>