لمحنَا الأميرُ لَمْحَ مَنْ حَنَّ إلى قَرينه وهن، وسَنَّ سنان قَلقه وأنَّ، وقال لنا: اعلموا أنّهُ ورَد عليَّ بهذهِ الأيام القريبة، رَجُلٌ مُستحسَنُ النقيبةِ، ما أغمضَ جَفْنُ مجالستهِ ولا جفا، ولا لَبسَ خِفاءَ مخالفتهِ مُذْ خَفَا، ولولا أن أشُقَّ عليهِ، لأشرْتْ بالخروج إلينا إليه، فقلنا له: إنّنا ممّنْ يرعَى حقوق حديثه وقديمهِ، ويستر معائب نديمهِ بأديمهِ، ومعَ ذلك فنحنُ لا نُؤثِرُ استدثارَ سلوتكَ، ولا نستأثر عليهِ بخَلْوتكَ، بل نخلعُ على مَجْلَسكَ وصالَهُ، ونَتْرُكُ طيبَ نسيم هذه الصَّبا لهُ، فقال: معاذَ اللهِ أن أفارقَكُم أو أقايضَ بالعَسْجَدِ وَرَقَكُمْ، بَيْدَ أني أعرِّفهُ، بما انسَرى مِن حِفْظِ سّركم وأصِفهُ، ثم إنه أرسلَ إليه من حالِه، برُقعةٍ خاليةٍ عن انتحالهِ، فلمّا حقّقَ قَرْطسة نبَاله، ودقّقَ بصرَهُ لإقباله بأقباله، تجلَّلَ جَنانُهُ بالمَرَح واحتيج إلى العلاج بالترحَ، لشدةِ مصافحةِ ذلك الفرح قال الراوي: فألفيتُ حينَ لاحَ قمر إرقالِه، وفاحَ أرجُ حَلّ عِقالِه في مَقَاله، أبا نصرَ المصري شيح سرورِ الأمير، وشيخَْ معازِف تلكَ المزاميرَ، فأظهرتُ البشاشةَ خَوْفَ التنغيصِ، وخْلِتُ أنْ قًد ظَهَر عليَّ الأسدُ مِنْ مَغَابن العِيص، فضمَّني ضَمَّ المشيمةِ الجنينَ، وأخذَ يبثُّ شوقَهُ والحنينَ، وأقبلَ يُعَرِّفُ الأميرَ دماثَة ودادِنا، وملاحةَ عروس اتّحادِنَا، واحتلابَ عنقادِنا، ونشرَ عَرْفَ عبير اَعتقادِنا، فلَّما فَهِمَ كلاَمهُ، وعلم أنْ قد أسعدَ القَدَرُ أقلامَه، قالَ لنا: الآن يجبُ بأنْ نجولَ حول هذا الميسورِ، ونفْترعَ ذروةِ هَذَيّا السورِ، لمناسمةِ هذا السُّرسورِ، قال: فعدلْنا عن الخِلافِ إلى جَرِّ ذَيلِ الجَذَلِ والخلافِ، ومِلْنا في ذلكَ الانعطافِ، إلى كلّ عَزّة ناعمة الأعطافِ، وأبو نصر يسُحّ لذَلك الذّرور، سُحوحَ المُسْبِل الدَّرور، ويُظهرُ بينَ تلكَ الصُّدور، ما يُعجزُ لسانَ المِصْقَع القَدورِ، حتى أنساني بألفاظهِ القُسِّيَّةِ، علَّ عَلْقَم الوَقْعَةِ القُدسيّةِ، هذا والأميرُ منعطفٌ إلى لُبَدهِ، متعطشٌ إلى معرفةِ بلدهِ، والمصري يزجرني برفع حاجبهِ، ويُسكَتني بنَصْبِ نصْبِ رواجَبهِ، إلى أن ألانتْ لُبَّ الأمير سُحبُ سحْرهِ الهطّال، وآنَت منه طَلِبَةُ مدح أزهاره والرّطالِ، وجَعلَ يعرِّض بوصفِ الرياض، وحمرة خَدِّ خَنْدَريسنا والبَياض، فالتَفتَ أبو نصر وقالَ لي: كُنْ كما أعرفُكَ مجلُيَّ الإعصافِ، والصِّدْقُ عندي من جملةِ الإنصاف، فقلتُ له: كَلا، ومن أنزلَ سُورةَ السكينةِ وهل يُفْتَي ومالك في المدينةِ، فأطرقَ لقولي أطراق المستري، وصافَحْت يدُ جَوْدةِ إجادتِه شناتِر المشترِي، وقال: الكامل:
شرب السلافةِ في الربيع المُزْهرِ ... بين الرَياض على غِناءِ المِزهر
وبنفسج بينَ الخَمائِل حفَّهُ ... أنفاسُ سَوْسنهِ كمِسْكٍ أذفر
فالنُورُ من نوْرِ الحدائقِ ساطعُ ... يحكي بياض سبائبٍ من جوهر
في أحمرٍ قانٍ وأبيضَ مُشْرق ... يقق يَروقٍ وفاقع من أصفر
والياسمينُ معَ البَهارِ كأنَّهُ ... مضنى يُعاتبُ شادناً في عَبْقَريَ
والبان ذو الرَّنْدِ الذكيِّ كأنَّه ... مِسْك تأرجح في صَلايةٍ عنبر
والنرجسُ الغضّ الجنيّ كأنّهُ ... حَدَق تُراقبُ غادةً مَعْ جُؤذَر
وتضُّرجُ الوَردِ النضيرِ مُنْضَّد ... حولَ الزلالِ ورائقِ اللينوفر
من أزرقٍ يَحْكِي السماءَ وأصفِرِ ... شِبْهِ النُّضَارِ على بِساطٍ أخضَرِ
أو وَطْءِ أخفافِ المَطِيِّ وقَدْ غَدتْ ... تحت الأحبةِ في الصَّعيدِ الأعفرِ
ووجداولٍ شِبْهِ السيوفِ كأنَّما ... شُهرَتْ بيوم كريهة وسَنَوَّرِ
ما بينَ منبجس وبينَ مُسلَسلٍ ... ومجَعِّدِ ومَصفِّق ومكسَّرِ
وجآذرٍ مثلِ البدور خوامصٍ ... ما بَيْنَ مُدَّرعٍ وبين مُحَسرَّ
تحكي الشُموسَ إذا قرُبْنَ بمغرَبٍ ... في جَرِّ أذيالِ الحَرير الأحمرِ