للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليستْ عشياتُ الحمى برواجع ... عليكَ ولكنْ خَلِّ عينيك تدمعَا

فقد اخترت أن تحصرَ حروفَ هذه القصيدةِ السديدةِ، في رسالة تدلُّ على المقاطعة الشديدةِ، فقال له: تاللهِ لقد رمت الحبَبَ من سَحوح، والخَبَبَ من سَبوح، والانسجامَ منْ الغَمام، والإقدامَ من المقدام، ثم إنه أطرقَ لاستدعاءِ أبكارهِ، واستهداءِ تحَفِ ابتكاره، والعيونُ محيطةٌ به إحاطةَ النطاقِ بالخَصر، والعِتاقِ بالحَصْر، فِلما حرَّرَ ما صنع، وجَرّز أذيال ما اخترعَ، قال: اكتبوا ما تسمعون، واسموا ما تسمعون، وستذكرون وتشكرون، وها هي ما أملي وتسطرون: عَرفُ أدب الحُلاحل العَليِّ، الناميِّ الرضيِّ، أمجدَ اللهُ رأيَهُ وسرمدَ، وبرعَ باعُ عزيمتكَ وأيَّدَ وعًنّ عن معانكِ عِنانَ الإحَن وشرَّدَ، سامٍ على طيبِ المَلاب الذكيِّ بل الأناب الأرج التنكتي، ولآيةُ أنيقِ خطابكِ الجنيِّ أحسنُ مِنَ الدُّرًّ السنيِّ، فَلمَ سحَّ بُعْدُ ازديار منادماتكَ، واشتدَّ زَنْدُ عِبْءِ صَدّك، غِبَّ انتجاع مناشداتكَ، مَعْ تحقُّقِكَ أنَّ خيرَ ما نجعَ مُزْنَةُ وَلاءِ، وأحقُّ ما تُوِّجَ تاجُ صفاءٍ آلُ إخاءِ، فعييت عن عَنَنِ حنين وحيت، وشيع شياح تتعتع عانيتُ وما جنيت، ولو حويت من العَياء ما حويت، لثويت مِن أعباءِ العناءِ فيما ثويت، قال الراوي: فلمّا رصفَ ما رصفَ في مكاتبته، ووصفَ ما وصفَ من معاتبته، ونَجزَتْ سحائبُ فكريه، ونَجَزَتْ غرائبُ مألكتهِ، طَفِقَ القَومُ يحصونَ حروفَ كلماتهما، ويستقصون في فحص محكماتهما، فحين استُحسِنَ التساوي، وتيقَّنوا عدمَ مساجله والمُساوي، أنغَضوا رؤوسهم من العَجَبِ، واضطربَ طِرافُهم من الطَرَب، وقالوا: إنَّ هذا لبديعٌ حَسَنٌ، وبَديغُ تيقُّظٍ لا يُسامرُ إنسانَه وَسَنُ، ولا يخامر يفن افتنانهِ أفن، فهل تقدِرُ على أن تعيدَها أبياتاً، وتجعلها لكمالِ حروفها كِفاتاً سنيةً في الروى والوزنِ، منيةً لمصادمةِ الشامخ والرزن، جليةً في الإذاعةِ والحَزْنِ، خَليّةً من الخلل في السهولةِ والحَزْن، أتيةً في الإقامة والظَعنِ، أبيةً عند طعنِ ذابل الطعنِ، فإنه أصعب وأصلف، وأعذبُ وألطفُ، إذ النظمُ حال بحَلى العَروض، والنثرُ خالِ من المخبونِ والمقبوضْ، فقال له: وايمن الله عندي صرام لخلال خلالك، وضرامُ لإضرام سَيَال سؤالك، وانسكاب لانبساط راحك، وشهابٌ لإحراق شياطين اقتراحك فإن راقكم فاحفظوه وحفَّظوه، واحتفظوا به ولا تُحفِظُوه، وها هو فاسمعوه وعُوهُ، وإن أبيتموه فدعوه ودعُوه: الطويل

أنيخا يمينَ الحيِّ في الجزع واسمعا ... بكاء يُعيدُ الطودَ دكا مصدّعا

وإنّا ونثّاهُ اليمنى وحدِّثَا ... عن العَيِّ لما انهلّ حين تشيّعا

ولم تنسني حينَ ارتحلنا وبيننا ... أنينٌ أطال الخلو مني التوجّعا

فجاءتْ بقدّ قيدَ رمح وخَلْفها ... جَنان على تلّ من الكور أتلعا

فشَقّت شَعاعا عن شُعاع وأبرزتْ ... بنا كلكلاً حاكى لُجيناً ممنَّعا

ونصت براح عن بَراخ وكلَّمَتْ ... بذي ترف حازَ الملاحة أجمعا

وعضت بدر عندما غبّ أن سقَتْ ... من النرجس الوسميِّ ورداً تمتّعا

وجئتُ إلى التشييع كَدًّا وعزّني ... حميمٌ أبادَ الكِبْدَ منِّي تتعتُعا

<<  <   >  >>