للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبرَ القاسمُ بنُ جريال، قالَ: أمطْتُ مُذْ نظَرْتُ بعَينِ العِنايةِ، وكَحَلتُ بؤبؤَ البصيرةِ بمِرْودِ الدّرايةِ، ثِيابَ الطّمَع عن إهاب الشَّهواتِ، ونزعتُ سِنانَ الطَّبَع في مُحرَّم شِدَّةِ الهَفواتِ ولَقيتُ النّوبَ بالعَزْم المنوع، وألقيتُ جَرير الجَنفِ عن غارب القُنوع، لعلمي أنَّ سَنَةَ الزمان سِنة، وسِنَةُ إنسان سَهْوه سَنَةٌ، وكنتُ حينَ هَبّ قبولُ هذا القبوِل وانصبَّ قِطَقِطُ مقاطعةِ الطِّفلةِ العُطْبولِ، أصاحبُ الزُّهَّادَ، ومَنْ حَسُنَ سَننُ نُسْكهِ وهادَ، فلمّا خلعْتُ البِدَعَ خَلْعَ الحَسَن الخِلافةَ، ولبستُ الورع لبس الكتم عذار أبي قحافة، جعلت أقترع إكام السباسب، على هذا التناسب، وأعومُ بهذا العابر، لإصلاح الغابر إلى أنْ كَلِفتُ بمداومة الفدافدِ، وألفتُ مفاجأة الأوابدِ وقُذفْتُ بأنامل البُرحاء إلى معالم البصرةِ الفيحاءِ، فأحببتُ زيارةَ رُموسها، ومعاشرةِ شُموسها، لا خبر جرجرةَ سُوسها من شموسها، وزمجرة هموسِها من نموسها، وكنتُ سمعت مِمن بصر، وأسهبَ بحسن وصفِها وقصَّرَ، أن مَنْ بصّر تبصَّرَ وشفَى جُرح ساعِد المساعدةِ بعدما تنصرًّ، فحينَ حللْتُ بغَريفِها، ونزلْتُ بوريفِ ريفِها، ورأيتُ صالحَ صَريفها، وحَويت خالصَ صريفِها وصريفها، طفِقتُ أقتطفُ ثِمارَ افتنانها، وأرتضع فِرصادَ الفُرَص من دناتِها، وأبتَلِي أزهارَ المَرَح بأغصانها، وأَجتلي بدورَ المبادرةِ قبلَ نقصانِها، وأجنَحُ لزُبَدِ مستّطابها، لا زُبَدِ وَطابِها، ومُلَح انعطافها لا بُلَح قِطافها، وملاحةِ أعطافها، لا حلاوةَ نِطافها، فألفيتُها مشحونةً بزواهر الزِواهر، مسجونةً بنواظرِ النواضرِ، يرتحِلُ الإنصافُ إنْ رحَلُوا وينزلُ الإسعافُ حيثُما نزَلوا، وتَحْمَدُ الأيامُ ما فعلوا، وتحسدُ هامة العلياء ما انتعلوا: البسيط:

ناس سمَوا بسماتٍ سادَ أيسرُها ... أحامس الناس لم تُطْمَسْ لهُمْ سُبلُ

إنْ أوعدوا أخلفُوا أو ما عدوا صدقُوا ... أو حُوكموا شَرَعوا أو حُكِّموا عَدَلُوا

أو أنعَموا أسرفُوا أو جالسوا نطقوا ... أو سُولموا سمعوا أو قُوتلوا قَتلوا.

أو ناظروا أنصَفوا أو ناضلوا خَسقُوا ... أو صوحبوا نَفعوا أو صولحوا فعلوا.

أو بادروا أوجفوا أو طاولوا سمقوا ... أو حوربوا منعوا أو نوزلوا نزلوا.

أو بارزوا أرهَفُوا أو سابَقُوا سبقوا ... أو خُوطِبوا بَرَعوا أو قُوطعوا وَصلوا.

<<  <   >  >>