للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ: فما فتئتُ أترقَّبُ مواضعَ العباداتِ، وأتطلَّبُ مواطنَ الزياراتِ، إلى أنْ ألفيت فتًى فَتِيَّ الشبابِ، ظاهرَ الأحبابِ، أحلى مِنَ الكَعابِ، بريئاً من العابِ، عليه شَملةُ، العَسيفِ، ولديهِ شِمِلَّةُ التعاسيفِ، فملتُ إليهِ مَيْلَ الظمآنِ إلى ورودِه، والشِّبِقِ إلى مراودةِ رُودِهِ، وقلتُ له: يا ذا الملاحةِ السَنِيَّةِ، والفصاحةِ السًحبانيةِ، أقْسمُ عليكَ بمَنْ صَوَّرَ البصائرَ، ودوَّرَ الفَلَكَ الدائرَ، إلاَّ عرَّفَتني مَغْرِسَ شَجَرتِكَ، ومُعَرَّسَ عِترتك وأينَ موردُ فارطِكَ وحلولُ حِلَّةِ أراهطِكَ، فارفَعْ عنِّي هذهِ الحرارةَ، وأصدُقني صدْقَ حاجب بني زرارة، فقالَ لي: أما شعبةُ الشجرةِ فمِنْ هذهِ السَّحَرةِ، وأما مُقامُ عِترَتي المعَدّينَ لإقالة عثرتي فبهذهِ الرَّوضةِ الزاهرةِ والدوحة الباهرةِ ثم أومأ بيدهِ إلى البصرةِ ط وقَرَنَ بين الشّهيق والزفرةِ، فقلتُ لَهُ: ما الذي هيّجَ حِزق لَهيبِكَ، وأجّجَ حُرَقَ نَحيبِك ثم معَ ذلكَ فإلى أينَ انسحابُكَ، وبأي الرِّحال يسحُّ سَحابُكَ فقالَ لي: أما البكاءُ فلانحرافي إلى الحُوب، واعتكافي بخليةَ نُوب هذه الذنوبِ، وأما غاية الانسحاب، في هذه الرِّحابِ، فإلى طلحةِ الطلحات، المنتاب على ممرِّ اللمحاتِ، علّ أنْ يكونَ سبباً لتسهيلِ صِعابي، والنزولِ عن صهوةِ عابي، لا سيَّما وقد حَلَّ بضريحهِ رجلٌ تنزِلُ لزُمَر زهدهِ الوعولُ، وسهام سُهُوم وجهِ وَجَلهِ أبداً تعولُ، عسى أن يساعدَني بدَعوةٍ مُستجابةٍ، ولو بقبولِ تجابةٍ بعد إجابةٍ، قالَ القاسمُ بنُ جريالٍ، فبكيتُ لبكائه، ورثيتُ لحَلِّ وِكاءِ مُكائهِ، ورجوتُ قبول توبته، وأفُولَ حُفولِ حَوبتِه وقلتُ لَهُ: أتأذن لي في متابعتِك إليهِ، ومبايعتِكَ على ما تُعوّلُ عليهِ فقال لي: أنا من جملةِ عُبدانِك، ُوفسكل حَلْبَة مَيْدانكَ، والمجبوذُ بأرسانكَ، والملحوظُ بإنسان إحسانكَ، فلمّا وقفتُ على غَثِّه والسَّمين وحًلَّ عندي محلَّ اليمينِ باليمينِ، ورضيتُ بحَمْلِ ثقَيلِه، واستطبتُ ظلالَ مقيلِ قيله، دعتْني مَعاصم عِصْمتِه، إلى مباسم سِمَته، واستدعتني روضةُ نَضْرته، إلى حضرةِ مناظرته، ثم سِرْنا برئَيْنِ مِن الإخفاق، عرّيينِ من ملابس الإشفاق، إلى أنْ وردْنا جنابَهُ، وشدَدْنا على بابه نابهُ، فدَخلتِ التلامذةُ مُعْلِمينَ، وبطرازِ ذلك الطرازِ معْلَمينَ، ثم عادوا آذنين، وصاحبي يمزجُ بدَرِّ دَمعِهِ الذَّنَين، لا تنبو بواترُ عبراته، ولا تخبو زواخرُ حَسَراته، فحين حَصَلَ لنا الوصول، وعَمَّ رَبْعَ سعينا ذلك المحصولُ، ألفيتُ الزاهد المختار، أبا نصرٍ الخائن المختارَ، فشُدِهْتُ من ذلكَ الصَّمتِ، وبُهِتُّ بحُسنِ ذيّالكَ السَّمْتِ، ثّم بادرتُ إلى تقبيلِ يمينهِ، لاستخراج نُخَب كمينهِ، فرفَعَ رأسَهُ إليَّ، ثم كرَّ بطِرْفِ طَرْفهِ عليَّ، وقال لي: يا بن جريال لفحْتك أنّةُ هذا القاصد، وأنحفتك سُمومُ هذه المقاصِد، وأقلقَكَ تفاقُمُ فَرَقِ فَرَقهِ ومُدِّهِ، وتلاطُم طُول جَزْرِ زَجرهِ ومَدِّهِ، فأبْشِرْ بتخفيفِ آلامِه، وتجفيفِ أَيْكِ أَثْل إثْمه وثُمامِهِ قالَ: فعجبتُ لحسنِ مكاشفتِه وطربتُ من عثورِهِ على مكاشفتِه، ولمّا أزِفَ مُعَسكرُ السّباتِ، نهضنا لإقامةِ الصَّلاةِ، فأدَّينا الفريضةَ بِسُننها، وفدّينا انتفاع يفاع الزَّورةِ وقُننِها، فوضعَ بعد أداءِ فَرْضه، ونَشْر أنواع عَرْضِه ونَضِّه، مُصلاَّهُ على عاتمه، واندرأ إلى طاعةِ ناتقه وحينَ أدلهمَّ وجهُ الوجودِ وجَنَّ وهمَّ القانت بالسجودِ، ومَن، قابلَ مِحْرابهُ، ونزَعَ عن حُسام السهر قرابَه، ولم يَزَلْ ما بينَ أرَق مُذيب وقَسورهِ قلق وذيب، إلى أن برزَ فَلَقُ المشرقين وسعت بين سماطي طعامه إقدامُ القَين، فعند ذلكَ طلع إلينا طلوعَ الثريا علينا، فقمتُ للقائه، ولثمتُ مواضعَ تِلقائه، وقلتُ لَهُ: قد عزم الأمرُ وظهرَ، ونجمَ نجم المفارقةٍ وبَهَر، فامنحني من عِظاتِكَ لا مِنْ أضاتِكَ، ورأفة التفاتِكَ لا مكافأتِكَ، فقالَ: أكرمَكَ اللهُ إكرام المُحقِّ، وألهمَكَ امتطاءَ بازلِ الزَّهادةِ والحقِّ، وأعاذَكَ من كسادِ الحاذق، وحَرْمانِ المستحِقِّ، ثم أنشدَ بعدَ شُرْبِ حَميم همِّهِ ومُهله، وعَلِّ شرْبي المقاطعةِ ونَهلله: الكامل:

<<  <   >  >>