روى القاسمُ بنُ جريالٍ، قالَ: أَلمَ بي أَحيانَ مجاورةِ الجآذرِ، ومسالمةِ الحذرِ الحاذرِ، طُوفانَ جَدْبٍ بَرقت لبَرْقهِ أساوِدُ الأبصارِ، وعرِقْت لأعبائهِ أظفارُ أولى الاصطبارِ، ونعقتْ لقِصرِ سيلهِ عُريانُ الأكدارِ، ونعَقَتْ لطولِ ويلهِ غِربانُ الإنكدارِ، إلى أنْ جزَّ جُرازَ الجَزَع وقطَّ، وحزَّ حسامُ حَرِّ الحُرَق واشتطَّ، وكَلَّ كُلُّ مُحتالٍ فدانَ، وأنكلَّ كلُّ مختال فهانَ، وأَذْعَنَتِ العِيالُ للإعلال، وتمسكنَتِ الأقيال للإقلال، وواصلَ القُعَدَةُ الارتحالَ، وتَغَيَّرَ الحالُ وحال، فلمّا أخذت البشر تتضاغى، وأخدرت خمْساً لم أذقْ بها مَضاغا، أقبلتُ أفكرُ فيما ينقِذني مِن صبرِ ذاكَ الوصَالِ، ويستخلِصُني من مصائبِ صائب تلكَ النّصالِ، فبينَما أنا أضطَربُ لذاكَ التَّوَى، وأشتهِبُ لَشهب أنواءِ النوَى، ألفيتُ أبا نصرٍ المصري يتقلَّب على طَنَافس الإركاس، ويتَقَلْقَلُ لسَرَفِ سُكْر ذلكَ الكأسِ، فأرقلَ نحوي إرقال التَّبار، وأقبلَ إليَّ إقبال الأدبار، وقالَ لي: يا بنَ جريالٍ أراكَ تقومُ مِنَ النَّصَبِ فيما أقومُ، وتعومُ من الوَصَب فيما أعومُ، فأخْبرنِي ماذا ترومُ، لأخبركَ ماذا أرومُ، فَقلتُ لَهُ: أطوِّحُ المطامِعَ وأسوحُ، وأسِّرحُ سفينَ السَّفَرِ وَلَو سَحَّتِ السوحُ، علّ أنْ يُراشَ من جَنَاح الأملِ ما اَنْحَصَّ ويُخاطَ من قميص المَصالح ما اَنقَصَّ، فقالَ لِي: تاللهِ لقد نظرْتَ ببصرِ مُقلتيَّ ونطقتَ بلسانِ شفَتيّ فطالما رشَدَ مَنْ شَرَدَ، وقلمّا عَقَدَ مَنْ قَعَدَ، وإنْ كنتَ تُريدُ رُوْدَ مزاملِتي وتُديرُ مزاء دُور ملازَمتي، فاصبرْ عَلَى مفارقة مَهونكَ، ومواظبة أمونكَ، عَسَى أن يجزم الزمن طماحك، وينصب رماحكَ، ويخفضَ صُماحَك، ويرفعَ من ماحَكَ ولو ماحَكَ، فَمَنْ أحبَّ الحِبَرَ ركَبَ أماليتَهُ، ومنْ رامَ رَيْمَ العلاُ عطفَ نحوَ العُلا ليَتهُ قالَ: فتقبّلتُ قُبلَ تَيكَ العَروبِ، وإنْ كنتُ أدري أنَّ قمر مرافقتهِ يُفْضِي إلى الغُروبِ، ثُمَّ أقبلَ كلّ على مِنْسأتهِ، ونَدِم على ما فَرَطَ من إساءتهِ، ولَمْ يَحْضُرْني في المزادةِ المعدودة، سوى بدلِ لبنِ المُصَرَّاةِ المردودةِ، فأخذت بالدَّينِ، عددِ عضلِ العضُدَينِ، إلى سَعَةِ اليدينِ، أو بيع أحد البُرْدَين، ثمَّ لَمْ نَزل نجتذِبُ عرائِسَ المسايرةِ ونعتَبِقُ، ونصطبح بمفازة المناهزةِ ونغتبقُ، إلى أنْ نزْعنا سنانَ الرِّحْلَةِ بحِمْصَ، وقَدْ أخلقَ الخَوَرُ صِدارَ التَّصَبُّرِ والقُمْصَ، فلمّا وصلْنَا إلى عَرصَاتِها، واهتصرنا بذوائب ناصاتِها قال لي: أرى أن نَفْصِمَ حِبَالَ التحويلِ، ونصرِم وضين عويل هذا التعويلِ، ونطأ صعيد هذهِ المدينةِ، ونرقأ بسلم ما يسد خلةَ اليَدِ المدينةِ، فإلامَ نَخِدُ بخمائلِ الخُمولِ، ونرتَعُ بينَ الحُمولِ في حنَادس المُحُول، فإن كنتَ على عَهدِكَ السالفِ، وما عهدتُكَ من حُسْن التحالُفِ، فأخِّرِ الخَبَبَ اللازمَ، والتعبَ المُلازمَ، إلى أنْ ينكسرَ سمُّ سمُوم السَّغَبِ والحرورِ، وينهزمَ جيشُ دَيلم الكُرَب الكرور وإن كنتَ تَخشى أنْ يلحقَكَ رِقُّها، وتسحقكَ شُقّةُ مَشَقَةِ لا تستحقُّها، فعلىّ زامورُ المَكادح ورَقهُا، وراووق كأس المكاسب وزِقُّها، وإنباتُ ريش فراخِكَ وَزقُّها، وما مِنْ دابِة في الأرض إلاَّ على اللهِ رزقُهاْ، فقلتُ لَهُ: أنا بنَانُكَ إنْ رحلْتَ، وجنَانُكَ حيثما حَلَلْتَ، فأعرِفكَ لراحتي تجادلُ، ولرفع باحتي تقاتِلُ، ولكنْ كيفَ تَلجُهَا وأنتَ العُقربانُ القاتلُ، فَقْهْقَهَ قهقهةَ القَسيب، وشَكَرَ سَلْسالَ سَحِّ ذلكَ السِّيْب، ثم نهضَ يُنغِضُ هامتِهِ، وينفض ثغامتهُ، فجعلتُ أقتافُهُ وأتلوهُ، وأستنشق تَفَلَ تَفل نَكْره وأبلوهُ، حتى ولجَ بي غيرَ ضَجُورِ، إلى مسجد مهجورِ، تضارعُ وحشتَهُ القبورُ، وتسوقُ وكف جدرانهِ الدَّبورُ، فَربضَ كُل بزاويةِ واكفة، مِنَ الهتُونِ هاويةٍ، فعطفتُ لِيتي إليهِ، وأرسلتُ سِباعَ المعاتبةِ عليهِ، فقالَ لي: أظنّكَ تتبرَّمُ بمصاحبتي، وتحتقرنِي لعدم حَبَّتي، ففي غَدٍ تَحْمَدُ مسعاكَ، وتشكُرُ مَرْعَاكَ وتملأ عياب قَبْقَبك، وتُقامُ عروشُ ذَبْدبكَ فقلتُ لَهُ: قاتلكَ اللهُ أما يشغُلكَ اندفاقُ جُوعِكَ، وإباقُ موجوعِكَ وهجوعِكَ، عن علِّ هَذي الدُّعابةِ، وسلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute