للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيوفِ هذي المداعبةِ، فقال لي: يا بنَ جريالٍ اجعلِ الصعيدَ وِسادَكَ، وتأسَ بمن بجُوعهِ شَرُفَ وسادَكَ، فما الفخرُ بنيلِ رِيِّكَ، ولا بما يلِجُ بمجارِي مَرِيك، وإنّما المفخرُ بالصَّبرِ عن الموائدِ، ونهلِ الصبْرِ عندَ نزول الشدائدِ، ثمّ إنَّهُ أقبلَ يعاملني معاملةَ الأطفال، إلى أن أعلنَ ظليمُ الظلام بالانجفالِ، وعندما بزغتِ الغزالة، ونفدَتْ لطافة المعاتبةِ والجزَالةُ، أقعدني وولّى، وطلبَ فوزَ فذِّهِ والمُعَلَّى، ثم عادَ وَقَدْ صبغَ لحيتَهُ، ودَبَغَ بقَرَظِ التّبحُّرِ حيلَتَهُ، فتنفّسَ المجهودِ، وقالَ: غيِّروا شيبكم ولا تشبَّهُوا باليهودِ وحينَ قعدَ واستقرَّ، وبردَ عَرَقُ مَفْرقِه وقَرَّ، وضَعَ شَمْلَةً مشحونة بثلثي عَرِيكَةٍ، وفخْذَيْ دَجاجةٍ وديكةٍ، ثمَّ حاذرَ الافتياتَ وقالَ: التقِمْ عَمَّا سَلَفَ وفاتَ، فأنا أحيَلُ مَنْ نفحَ بالطَّبنِ، وجَمَعَ لكَ بينَ الرئمانِ واللَّبنِ، فقلتُ لَهُ كيفَ نَعْطِشُ أو نَجوُع، وأنتَ الزَّادُ والماءُ النَّجوعُ، ومَعَ هذهِ المِيرةِ اللطيفةِ، ونَشْرِ ألويَةِ ألوَّةِ هذِي الطريقةِ، فإلى أينْ انتهى بكَ سبَبُ الرسيم، ومن أينَ حصلَ في انتهابِكَ طِيْبُ هذا النسيم، فقالَ لي: خَلِّ ما يؤدِّي إلى الانفصالِ، وجَلِّ فيما يُزيلُ ألَم تفرُّقِ الاتصالِ، فقلتُ لَهُ، قَسماً بمَنْ رَفَعَ السِّماك، وحَباكَ بأحسن الكُنَى وسَمَّاكَ، ونشرَ شوازبَ شَذاكَ، ورَّوَعَ رُوعَ الضّبارم بذاك، لا صرفتُ إليهِ جَنابي، ولا لطختُ بغَمَرهِ بناني، أو تعرِّفُني من أينَ قصدتَهُ، وبأيِّ حِبالةِ الحِيلِ صدْتَهُ، فقالَ: اعلم أننّي حِيْنَ أزمعْتُ الرواحَ ورُحتُ، وحثّني على فِراقِكَ السُّحْتُ وسُحْتُ، جَعَلْتُ أفَصِّلُ وأجملُ، وأتّقحُ وأجْمِلُ إلى أنْ وقفْتُ بالقَلْبِ القَليِّ، بباب الباقليِّ، فاكتنفتُ كفَّ فُولٍ مُضطَبع يَهمُلُ، يَسعَى بينَ مروَتَيْ القصْعة، ويرمل فملْتُ لعدَ ذاكَ إلى المَيْن، وقلتُ: هذا لا يذودُ جُوعَ يومين، فوردتُ الحمّامَ، وأردتُ الاستحمامَ لحِيلةٍ أضعُها، أو مَكيدةٍ أَصنعها، فإذا أنا بخادم قادم، ظاهرِ الكِبَرِ متقادم، فجثَمَ قُبالتِي، وأقبلَ يَرمُقُ كِبَرَ آلتِي، فلمَّا رأيتُهُ وارفَ الهمولِ، دائم النظرِ إلى الغُرْمُولِ، دلَفْتُ إليهِ، وعلمتُ أنَّهُ يَغْبُطُني عليْهِ، وقُلْتُ لروُحي: هذهِ فرصةٌ ساقَها القدرُ إليَّ، وقُرْصةٌ سَمحَ بها تَنًّورُ الظَفَرِ عليَّ، ثم إنّي مِلْتُ إليه مَيْلَ الحَنونِ، ودُرْتُ لمخاتلتهِ دَوَرانَ الجُنونِ، فلمّا أَنَسَ بموانستي، وآنسَ من جانبِ طُورِ الطَمَع نارَ موالستِي، قالَ لي: حينَ حنأتُ لحيَتي، وهنأتُ بمقدَمهِ حيلَتي، تاللهِ لقد جُدْتَ بالمناسمةِ فأحسنتَ، وأذبْتَ جامدَ القرائح وألنْتَ، وأذنْتَ بولوج جامع زُبَدِكَ وأذَّنت وآذنت، بحُلْوُ ملحِكَ وأذْعَنْتَ، وأنعمتَ بالمفاكهةِ فأمعنتَ فباقعةُ أيِّ البقاع أنتَ، فقلتُ لَهُ، أمَّا الموطنُ فطوسُ، وأمَّا الاسمُ فأبو الطُرَفِ فَطوسُ، وأمّا الصناعةُ فطِبّ يُبرئ الأسقامَ ويطفئُ العَرَّ العُقَامَ، ويُنطقُ السبّارَ، ويُنبِتُ الغَراميلَ الكِبارَ، فلمّا سِمعَ مقالتي، وشكر مِقتي، واستنفِد المحْمَدَة لمقامتِي، قالَ: سِرْ مَعي إلى الدّارِ، فلنا حاجة جليلةُ المِقدارِ، فأَجَبْتُ كواعبَ دَعوتهِ، تأملتُ مطائبَ دِعوتهِ، ولمّا فصلتُ إلى دُورهِ وقصلْتُ عصائدَ قُدورهِ، قالَ لي: أيها الحاذقُ المجرِّبُ، والكاملُ المتدرِّبُ، سَمِعْتُكَ تقول حينَ خلوْتُ بِكَ، وبلوتُ خرائدَ نُخَبِكَ، أنَا مِمَّن يُنطِقُ السِّبارَ، وينيتُ الغَراميلَ الكِبار، فإن كنتَ تقدرُ على ذلكَ، وتتجنَّبُ مواردَ آنذاكَ، فأنا أحُسِّنُ عاقبةَ حالِكَ، وأقُوِّمُ حَدَبَ ارتحالِكَ فقلتُ لَهُ: ستَرى مَقْدَمي إليكَ، نِعمةً من الدَّهْرِ المساعدِ عليكَ، وتنظرُ بين فخذيْكَ لديَّ، عَصَاً تتوكأ عليها إليَّ، وتجمَعُ شوارِدَ نَعَمكَ، وتَهشُّ بها على غنمِكَ فأعجبَهُ الكَلامُ، ولم يدرِ أنْ سيتبعُ الكَلامَ الكِلامُ، فعمدْتُ إلى مُدْيةٍ ماضيةِ الغُروبِ، مجرّبةِ المضاربِ في الحروبِ، فقالَ لِي: ما تصنعُ؟ قُلْتُ: أشُقُّ ما سَفَلَ مِنْ عَانتِكَ، ومِنَ اللهِ صولُ إعانتك، وأَضعُ مِنَ الدَواءِ حَولَيْهِ، ما يكونُ سبباً لإنباتِ المُشَار

<<  <   >  >>