وَيَتَمَكَّنَ الأُنْسُ فَيَصِيرُ بِالإِدْمَانِ شَغَفًا وَمَا عَشِقَ قَطُّ إِلا فَارِغٌ فَهُوَ مِنْ عِلَلِ الْبَطَّالِينَ وَأَمْرَاضِ الْفَارِغِينَ مِنَ النَّظَرِ فِي دَلائِلِ الْعِبَرِ وَطَلَبِ الْحَقَائِقِ الْمُسَتَدَلِّ بِهَا عَلَى عِظَمِ الْخَالِقِ وَلِهَذَا قَلَّ مَا تَرَاهُ إِلا فِي الرُّعْنِ الْبَطْرَى وَأَرْبَابِ الْخَلاعَةِ النَّوْكَى وَمَا عَشِقَ حَكِيمٌ قَطُّ لأَنَّ قُلُوبَ الْحُكَمَاءِ أَشَدُّ تَمَنُّعًا عَنْ أَنْ تَقِفَهَا صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْكَوْنِ مَعَ شِدَّةٍ تَطْلُبُهَا فَهِيَ أَبَدًا تَلْحَظُ وَتَخْطَفُ وَلا تَقِفُ وَقَلَّ أَنْ يَحْصُلَ عِشْقٌ مِنْ لَمْحَةٍ وَقَلَّ أَنْ يَضِيفَ حَكِيمٌ إِلَى لَمْحَةٍ نَظْرَةً فَإِنَّهُ مَارٌّ فِي طَلَبِ الْمَعَانِي وَمَنْ كَانَ طَالِبًا لمعْرِفَة الله لاتقفه صُورَةٌ عَنِ الطَّلَبِ لأَنَّهَا تَحْجِبُهُ عَنِ الْمُصَوَّرِ وَحُوشِيَتْ قُلُوبُ الْحُكَمَاءِ الطَّالِبِينَ فَضْلا عَنِ الْوَاصِلِينَ الْعَارِفِينَ مِنْ أَنْ تَحْبِسْهُمُ الصُّوَرُ أَوْ تَفْتِنُهُمُ الأَشْكَالُ عَنِ التَّرَقِّي فِي مَعَارِجِ مَقَاصِدِهِمْ أَوْ تَحُطُهُمْ عَنْ مَرَاكِزِهِمْ إِلَى مَحَلِّ الأَثْقَالِ الرَّاسِيَةِ بَلْ هُمْ أَبَدًا فِي التَّرَقِّي هَاتِكُونَ لِلْحُجُبِ وَالأَسْتَارِ بِقُوَّةِ النَّظَرِ
فَصْلٌ وَقَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مُرَادَ النَّفْسِ الشَّهْوَانِيَّةِ اللَّذَّةُ فَلْنَقْدَحْ فِي
اللَّذَّاتِ مُطْلَقًا بِمَا يَبِينُ بِهِ عَيْبَ الْعِشْقِ ثُمَّ نَخُصُّهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَنَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ اللَّذَّةَ الْحَسَنَةَ لَيْسَتْ شَيْئًا مَطْلُوبًا فِي ذَاتِهَا إِنَّمَا هِيَ دَفْعُ حَادِثٍ مُؤْذٍ لِيَعُودَ الإِنْسَانُ إِلَى حَالَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْحَادِثِ وَمِثَالُ هَذَا كَرَجُلٍ خَرَجَ مِنْ مَكَانٍ ظَلِيلٍ فَسَارَ فِي الشَّمْسِ فَمَسَّهُ الْحَرُّ ثُمَّ عَادَ إِلَى الظِّلِّ فَإِنَّهُ يَلْتَذُّ بِذَلِكَ الْمَكَانِ إِلَى أَنْ يَعُودَ إِلَى حَالَتِهِ الأُولَى ثُمَّ يَفْقِدُ الالْتِذَاذَ وَيَكُونُ اشْتِدَادُ اللَّذَّةِ عَلَى قَدْرِ اشْتِدَادِ بُلُوغِ أَذَى الْحَرِّ إِلَيْهِ وَقَدْ يَتَصَوَّرُ صَاحِبُ اللَّذَّةِ أَنَّهَا حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ أَذًى سَابِقٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ لَذَّةٌ حَسَنَةٌ إِلا بِمِقْدَارِ التَّأَذِّي بِالْخُرُوجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute