وَاعْلَمْ أَنَّ أَمْرَاضَ الْعِشْقِ تَخْتَلِفُ فَيَنْبَغِي لِذَلِكَ أَنْ يَخْتَلِفَ عِلاجُهَا
فَلَيْسَ عِلاجُ مَنْ عِنْدَهُ بِدَايَةُ الْمَرَضِ كَعِلاجِ مَنِ انْتَهَى بِهِ الْمَرَضُ نِهَايَتَهُ
وَإِنَّمَا يُعَالِجُ هَذَا الْمَرَضِ مَنْ لَمْ يَرْتَقِ إِلَى غَايَتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ أَحْدَثَ الْجُنُونَ وَالذُّهُولَ وَتِلْكَ حَالَةٌ لَا تَقْبَلُ الْعِلاجَ
قَالَ بُقْرَاطُ قَصَمْتُ الأَدْوَاءَ بِالْعَقَاقِيرِ وَأَقَمْتُهَا بِإِزَاءِ الْعِلَلِ فَأَعْيَانِي دَوَاءُ الْحُبِّ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ أَنْ أُدْرِكَهُ
قَالَ الْبُحْتُرِيُّ
وَلَقَدْ قَالَ طَبِيبِي ... وَطَبِيبِي ذُو احْتِيَالِ
أُشْكُ مَا شِئْتَ سِوَى الْحُبِّ ... فَإِنِّي لَا أُبَالِي
سَقَمُ الْحُبِّ رَخِيصٌ ... وَدَوَاءُ الْحُبِّ غَالِي
وَقَالَ أَبُو غَالِبِ بْنُ بِشْرَانَ
وَمُنْتَصِحٍ قَالَ لِي إِذْ رَأَى ... دُمُوعِي قَدْ أَقْرَحَتْ مَدْمَعِي
مَتَى تَسْتَفِيقَ وَتَسْلُو الْهَوَى ... فَقُلْتُ إِذَا كَانَ قَلْبِي مَعِي
وَقَالَ غَيْرُهُ
دُخُولُكَ فِي بَابِ الْهَوَى إِنْ أَرَدْتُهُ ... يَسِيرٌ وَلَكِنَّ الْخُرُوجَ شَدِيدُ
فَصْلٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يَذْكُرُ لِلْعِشْقِ أَدْوِيَةٌ وَهُوَ قَلِقٌ لَا سُكُونَ فِيهِ وَسُكْرٌ
لَا صَحْوَ مَعَهُ فَيُقَالُ لِمَنْ يَهْوَى فِي الْهَوَاءِ أَمْسِكْ نَفْسَكْ
فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدِهِمَا أَنَّا قَدْ قُلْنَا إِنَّمَا يُدَاوَى هَذَا الْمَرَضُ قَبْلَ بُلُوغِ نِهَايَتِهِ فَإِنَّهَا أَحْوَالٌ يُمْكِنُ عِلاجُهَا