وَالثَّانِي أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا يُضْعِفُهُ وَيُقَوِّيهُ
فَأَنَا أَعُرِّفُكَ السَّبَبَ الَّذِي يُضْعِفُ الْعِشْقَ وَيُوهِنُهَ وَأُحَذِّرُكَ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي يَزِيدُهُ قُوَّةً
فَمَا قُلْتُ لَكَ امْنَعِ النَّارَ أَنْ تَحْرِقَ وَإِنَّمَا قُلْتُ أَطْفِئْهَا وَلا قُلْتُ ادْفَعِ الْمَاءَ عَنْ أَنْ يُغْرِقَ وَإِنَّمَا عَلَّمْتُكَ السِّبَاحَةَ وَهَذَا حِينَ شُرُوعِنَا فِي ذِكْرِ الْمَرَضِ وَالْعِلاجِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ
فَصْلٌ اعْلَمْ أَنَّ بِدَايَةَ الْعِشْقِ فِي الأَغْلَبِ تَكُونُ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى المحاسن
ولحصول الْعِشْق بِهَذِهِ النَّظَرِ عَلامَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ النَّظَرُ إِلَى الْمُسْتَحْسَنِ خَفَقَ الْقَلْبُ خُفُوقًا يَكَادُ يَطِيرُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَدَّ الإِنْسَانُ الطَّرْفَ قَلِقَ الْقَلْبُ حَتَّى يَعُودُ فَإِذَا أُطْلِقَ ثُمَّ رُدَّ فَكَّ اللِّجَامَ قَهْرًا وَعَاوَدَ النَّظَرَ
فَهَذِهِ عَلامَةُ الْعِشْقِ لَا تكَاد تخطيء
إِلا أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِالْمَنْظُورِ فِي بَدِيهَةِ النَّظَرِ فَإِذَا رَدَّدَ نَظَرَهُ بَانَ لَهُ مِنَ الْعُيُوبِ مَا لَمْ يَكُنْ بَانَ فَزَالَ مَا كَانَ عَلِقَ بِقَلْبِهِ لأَنَّ النَّفْسَ تَصَوَّرَتْ فِي بِدَايَةِ النَّظَرِ مِنَ الصُّورَةِ معنى أعانها عَلَيْهِ تخيل الشَّهْوَةِ وَتَوَهُّمُ اللَّذَّةِ فَزَادَتِ الصِّفَةُ عَنْ مِقْدَارِ الْعِيَانِ فَإِذَا تَكَرَّرَ النَّظَرُ وَحُقِّقَ أَثْبَتَ حَقِيقَةَ الصُّورَةِ فَزَالَتْ زِيَادَاتُ التَّخَيُّلِ وَبِرْخَاشَاتُ التَّوَهُّمِ فَبَرُدَ قَلْبُ الْمُحِبِّ لِزَوَالِ التَّوَهُّمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute