الْحِكْمَةِ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلاقِ الْمُلُوكِ حَتَّى بَلَغْتَ الْحَدَّ الَّذِي تَصْلُحُ مَعَهُ لِلْمُلْكِ مِنْ بَعْدِي فَزِدْهَا مِنَ التَّشْرِيفِ وَالإِكْرَامِ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحِقُّ مِنْكَ
فَفَعَلَ الْفَتَى ذَلِكَ وَعَاشَ مَسْرُورًا بِالْجَارِيَةِ وَعَاشَ أَبُوهُ مَسْرُورًا بِهِ وَأَحْسَنَ ثَوَابَ أَبِيهَا وَرَفَعَ مَرْتَبَتَهُ وَشَرَّفَهُ بِصِيَانَتِهِ سِرَّهُ وَطَاعَتِهِ وَأَحْسَنَ جَائِزَةَ الْمُؤَدِّبِ بِامْتِثَالِهِ أَمْرَهُ وَعَقَدَ لابْنِهِ عَلَى الْمُلْكِ بَعْدَهُ قَالَ الْيَمَانُ مَوْلَى ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَنَا ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ سَلُوا الشَّيْخَ الآنَ لِمَ حَمَلَكُمْ عَلَى الْعِشْقِ فَسَأَلْنَاهُ فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثِ بُهْرَامِ جُورَ وَابْنَهُ
فَصْلٌ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْعِشْقِ فَمَذْمُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَبَيَانُ ذَمِّهِ أَنَّ
الشَّيْءَ إِنَّمَا يُعْرَفُ مَمْدُوحًا أَوْ مَذْمُومًا بِتَأَمُّلِ ذَاتِهِ وَفَوَائِدِهِ وَعَوَاقِبِهِ وَذَاتُ الْعِشْقِ لَهَجٌ بِصُورَةٍ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةٌ فَيُمْدَحَ وَلا فَائِدَةٌ فِي الْعِشْقِ لِلْنَفْسِ النَّاطِقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ أَثَرُ غَلَبَةِ النَّفْسِ الشَّهْوَانِيَّةِ لأَنَّهَا لَمَّا قَوِيَتْ أَحَبَّتْ مَا يَلِيقُ بِهَا أَلا تَرَى أَنَّ الصِّبْيَانَ يُحِبُّونَ التَّمَاثِيلَ وَاللِّعْبَ أَكْثَرَ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّاسِ لِضَعْفِ نُفُوسِهِمْ وَكَوْنِهَا مُمَاثِلَةٌ لِلْصُوَرِ لِخُلُوِهَا عَنْ رِيَاضَةٍ فَإِذَا ارْتَاضَتْ نُفُوسُهُمُ ارْتَفَعَتْ هِمَمُهُمْ إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى وَهُوَ حُبُّ الصُّوَرِ النَّاطِقَةِ فَإِذَا ارْتَاضَتْ نُفُوسُهُمْ بِالْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ ارْتَفَعَتْ عَنْ حُبِّ الذَّوَاتِ ذَوَاتِ اللَّحْمِ وَالدَّمِّ إِلَى مَا هُوَ أَشْرَفُ مِنْهَا
وَأَتَمُّ أَحْوَالِ النف الشَّهْوَانِيَّةِ وُجُودُهَا مَعَ شَهَوَاتِهَا مِنْ غَيْرِ مُنَغِّصٍ وَأَتَمُّ أَحْوَالِ النَّفْسِ الْحَيَوَانِيَّةِ وُجُودُ غَرَضِهَا مِنَ الْقَهْرِ وَالرَّيَاسَةِ وَأَتَمُّ أَحْوَالِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ وُجُودُهَا مُدْرِكَةٌ لِحَقَائِقِ الأَشْيَاءِ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute