فَصْلٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُشَّاقَ قَدْ جَاوَزُوا حَدَّ الْبَهَائِمِ فِي عَدَمِ مَلَكَةِ النَّفْسِ فِي
الانْقِيَادِ إِلَى الشَّهَوَاتِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضُوا أَنْ يُصِيبُوا شَهْوَةَ الْوَطْءِ وَهِيَ أَقْبَحُ الشَّهَوَاتِ عِنْدَ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ حَتَّى أَرَادُوهَا مِنَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ فَضَمُّوا شَهْوَةً إِلَى شَهْوَةٍ وَذُلُّوا لِلْهَوَى ذُلا عَلَى ذُلٍّ وَالْبَهِيمَةُ إِنَّمَا تَقْصُدُ دَفْعَ الأَذَى عَنْهَا فَحَسْبُ وَهَؤُلاءِ اسْتَخْدَمُوا عُقُولَهُمْ فِي تَدْبِيرِ نَيْلِ شَهَوَاتِهِمْ
فَصْلٌ فَقَدْ بَانَ لَكَ بِمَا ذَكَرْنَا عَيْبُ اللَّذَّاتِ وَعَيْبُ الْعِشْق من حهة مُشَابَهَتِهِ
لِلَّذَّاتِ وَبَيَّنَّا أَنَّهُ يَزِيدُ عَيْبُهُ عَلَى عَيْبِ اللَّذَّاتِ مُطْلَقًا ونزيد ذَلِك شرحا هَا هُنَا فَنَقُولُ الْعِشْقُ بَيْنَ الضَّرَرِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا
أَمَا فِي الدِّينِ فَإِنَّ الْعِشْقَ أَوَّلا يَشْغَلُ الْقَلْبَ عَنِ الْفِكْرِ فِيمَا خُلِقَ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الإِلَهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَالْقُرْبِ إِلَيْهِ ثُمَّ بِقَدْرِ مَا يَنَالُ مِنْ مُوَافَقَةِ غَرَضِهِ الْمُحَرَّمِ يَكُونُ خُسْرَانُ آخِرَتِهِ وَتَعَرُّضُهُ لِعُقُوبَةِ خَالِقِهِ فَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ هَوَاهُ بَعُدَ مِنَ مَوْلاهُ وَلا يَكَادُ الْعِشْقُ يَقْعُ فِي الْحَلالِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَقَعَ فَيَا سُرْعَانَ زَوَالِهِ قَالَ الْحُكَمَاءُ كُلُّ مَمْلُوكٍ مَمْلُولٍ وَقَالَ الشَّاعِرُ
وَزَادَنِي شَغَفًا بِالْحُبِّ أَنْ مُنِعْتُ ... وَحِبُّ شَيْءٍ إِلَى الإِنْسَانِ مَا مُنِعَا
فَإِذَا كَانَ الْمَعْشُوقُ لَا يُبَاحُ اشْتَدَّ الْقَلَقُ وَالطَّلَبُ لَهُ فَإِنْ نِيلَ مِنْهُ غَرَضٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute