عَنِ الطَّبِيعَةِ كَمَا أَنَّهُ بِمِقْدَارِ أَذَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ يَكُونُ الالْتِذَاذُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِذَا عَادَ الْجَائِعُ وَالْعَطْشَانُ إِلَى حَالَتِهِ الأُولَى كَانَ إِكْرَاهُهُ عَلَى تَنَاوُلِهِمَا أَبْلَغُ شَيْءٍ فِي أَذَاهُ وَأَرْبَابُ الطَّلَبِ لِلْمَلْذُوذِ لَا يَرَوْنَ إِلا صُورَةَ بُلُوغِ الْغَرَضِ وَهُمْ عَمُونَ بِحِجَابِ الْهَوَى الَّذِي قَدَّمْنَا ذَمَّهُ عَنْ فَهْمِ مَا قُلْنَا غَافِلُونَ عَمَّا تَنْطَوِي عَلَيْهِ اللَّذَّةُ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ بِالنُّفُوسِ وَانْكِسَارِ الْجَاهِ وَحُصُولِ الإِثْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَوْ قَدْ كَشَفَ فَجْرُ التَّيَقُظِ سِجَافَ لَيْلِ الْهَوَى فَرَأَوْا بِأَعْيُنِ الْبَصَائِرِ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْهَوَى مِنَ الآفَاتِ لَهَانَ عَلَيْهِمْ غَرَضُهُمْ
قَالَ سُقْرَاطُ اللَّذَّةُ مِشْنَاقٌ مِنْ عَسَلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ اللَّذَّةُ مَشُوبَةٌ بِالْقُبْحِ فَتَفَكَّرُوا فِي انْقِطَاعِ اللَّذَّةِ وَبَقَاءِ ذِكْرِ الْقُبْحِ وَقَالَ آخَرُ عَارُ الْفَضِيحَةِ كَدْرُ لَذَّتِهَا
فَصْلٌ وَإِذَا ثَبَتَ عَيْبُ اللَّذَّاتِ عِنْدَ الْعُقُولِ النَّيِّرَةِ بِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فَهَذَا
الْعَيْبُ لازِمٌ فِي بَابِ الْعِشْقِ بَلْ هُوَ بِهِ أَجْدَرُ فَإِنَّ إِعْمَالَ الْبَصَرِ فِي تِكْرَارِ النَّظَرِ حَقَنَ فِي نَفْسِ الْعَاشِقِ طَلَبَ الالْتِذَاذِ فَكُلَّمَا نَالَ لَذَّةً بِنَظْرَةٍ دَفَعَ بَعْضَ الأَذَى الَّذِي جَلَبَهُ لِنَفْسِهِ إِلا أَنَّهُ يَجْتَلِبُ بِتِلْكَ النَّظْرَةِ مِنَ الشَّرِّ أَضْعَافَ مَا دَفَعَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ تِكْرَارَ النَّظَرِ يُقَوِّي الْقَلَقَ إِلَى الْحَبِيبِ وَلا شِفَاءَ لِذَلِكَ إِلا أَنْ يَنْتَهِي إِلَى غَايَتِهِ الْمَطْلُوب مِنَ الْمُتْعَةِ الدَّائِمَةِ الَّتِي تَمْتَدُّ إِلَى بِدَايَةِ الْمَلَلِ وَبَعْضُ ذَلِكَ قَدْ يُوجِبُ خِزْيَ الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute