الْوَرَّاقُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ الرَّاوِيَةُ قَالَ سَمِعْتُ الْفَرَزْدَقَ يَقُولُ أَبَقَ غُلامَانِ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي نَهْشَلٍ يُقَالُ لَهُ الْخَضِرُ فَحَدَّثَنِي الْخَضِرُ قَالَ خَرَجْتُ أَبْغِيهِمَا وَقَصَدْتُ نَاحِيَةَ الْيَمَامَةِ عَلَى نَاقَةٍ لِي عَبْسَاءَ كَوْمَاءَ
قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ الْعَبْسَاءُ الْبَيْضَاءُ وَالْكَوْمَاءُ الْعَظِيمَةُ السَّنَامِ
فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ فَرَعِدَتْ وَأَبْرَقَتْ وَحَلَّتْ عَزَالِيهَا فَمِلْتُ إِلَى بَعْضِ دِيَارِ بَنِي حَنِيفَةَ فَقَصَدْتُ دَارًا وَطَلَبْتُ الْقِرَى
فَقِيلَ لِي ادْخُلْ فَأَنَخْتُ نَاقَتِي وَدَخَلْتُ فَجَلَسْتُ تَحْتَ ظُلَّةٍ مِنْ جَرِيدٍ وَفِي الدَّارِ جُوَيْرِيَّةٌ سَوْدَاءُ فَدَخَلَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ وَكَأَنَّ عَيْنَيْهَا كَوْكَبَانِ فَقَالَتْ لِمَنْ هَذِهِ النَّاقَةُ قَالَتِ السُّوَيْدَاءُ لِضَيْفِكُمْ هَذَا فَسَلَّمَتْ عَلَيَّ وَقَالَتْ مِمَّنِ الرَّجُلُ قُلْتُ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ قَالَتْ مِنْ أَيِّهِمْ قُلْتُ مِنْ بَنِي نَهْشَلٍ
قَالَتْ فَأَنْتَ مِنَ الْبَيْتِ يَقُولُ فِيهُمُ الْفَرَزْدَقُ
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
بَيْتًا بَنَاهُ لَنَا الْمَلِيكُ وَمَا بَنَى ... مَلَكُ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ
بَيْتٌ زُرَارَةُ مُحْتَبٍ بِفِنَائِهِ ... وَمُجَاشِعٌ وَأَبُو الْفَوَارِسِ نَهْشَلُ
فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهَا
قَالَتْ إِلا أَنَّ ابْنَ الْخَطْفِيِّ نَقَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ
أَخْزَى الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ مُجَاشِعًا ... وَبَنَى بِنَاءَكَ بِالْحَضِيضِ الأَسْفَلِ
بَيْتًا يُخَيِّمُ قَيْنُكُمْ بِفِنَائِهِ ... دَنِسًا مَقَاعِدُهُ خَبِيثَ الْمُدْخَلِ
فَخَجِلْتُ وَاسْتَحْيَيْتُ فَقُلْتُ لَهَا أَيِّمٌ أَنْتِ أَمْ ذَاتُ بَعْلٍ فَقَالَتْ
إِذَا رَقَدَ النِّيَامُ فَإِنَّ عَمْرًا ... تُؤَرِّقُهُ الْهُمُومُ إِلَى الصَّبَاحِ
تُقَطِّعُ قَلْبَهُ الذِّكْرَى وَقَلْبِي ... فَمَا هُوَ بِالْخَلِيِّ وَلا بِصَاحِ