ودع فَمَا تَرَى قَمَرًا ... فَأَبْرِزَهَا تَرَى الْقَمَرَا
فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ قَدْ ذَعَرْنَاكَ وَأَفْزَعْنَا عَيَالَكَ فَالْوَاجِبُ أَنْ نُعْطِيَكَ دَيْنَكَ فَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ وَصَرَفَهُ
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ الرَّشِيدَ عَتَبَ عَلَى بَعْضِ جَوَارِيهِ فِي أَمْرٍ وَكَانَ يُحِبُّهَا حُبًّا شَدِيدًا فَحَلَفَ أَلا يَدْخُلَ حُجْرَتَهَا فَلَمْ تَتَرَضَّاهُ فَقَالَ
صدعني إِذْ رَآنِي مُفْتَتَنْ ... وَأَطَالَ الصَّدَّ لَمَّا أَنْ فَطِنْ
كَانَ مَمْلُوكِي فَأَضْحَى مَالِكِي ... إِنَّ هَذَا مِنْ أَعَاجِيبِ الزَّمَنْ
ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أَبِي الْعَتَاهِيَةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُجِيزَهَا فَقَالَ
عِزَّةُ الْحُبِّ أَرَتْهُ ذِلَّتِي ... فِي هَوَاهُ وَلَهُ وَجْهٌ حَسَنْ
فَلِهَذَا صِرْتُ مَمْلُوكًا لَهُ ... وَلِهَذَا شَاعَ أَمْرِي وَعَلَنْ
قَالَ الْمُصَنِّفُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَهَذَا الذُّلُّ لَا يَحْتَمِلُهُ ذُو أُنْفَةٍ فَإِنَّ أَهْلَ الأَنَفَةِ حَمَلَهُمْ طَلَبُ عُلُوِ الْقَدْرِ عَلَى قَتْلِ النُّفُوسِ وَإِجْهَادِ الأَبْدَانِ فِي طَلَبِ الْمَعَالِي وَنَحْنُ نَرَى طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْهَرُ وَيَهْجُرُ اللَّذَّاتِ أُنْفَةً مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ جَاهِلٌ وَالْمُسَافِرُ يَرْكَبُ الأَخْطَارَ لِيَنَالَ مَا يَرْفَعُ قَدْرَهُ مِنَ الْمَالِ حَتَّى إِنَّ رُذَالَةَ الْخَلْقِ رُبَّمَا حَمَلُوا كَثِيرًا مِنَ الْمَشَاقِّ لِيَصِيرَ لَهُمْ قَدْرٌ فَهَذَا السَّاعِي يُتْعِبُ نَفْسَهُ بِالْعَدْوِ وَيَصْبِرُ عَنْ لَذَّاتِ الْجِمَاعِ لِيَنَالَ قَدْرًا وَقَدْ قَالَ الْقَائِل
وكل امرىء قَاتِلٌ نَفْسَهُ ... عَلَى أَنْ يُقَالَ لَهُ إِنَّهُ
فَأَمَّا مَنْ لَا يَأْنَفُ مِنَ الذُّلِّ وَيَنْقَادُ لِمُوَافَقَةِ هَوَاهُ فَذَاك خَارج عَن التميزين
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ أَنْبَأَنَا الْجَوْهَرِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute