الْحَنَفِيَّة: الإنسانية، لِأَن الْأَجْزَاء الْمَوْجُودَة عِنْد العقد تتحلل وتتجدد فَيلْزم تجدّد النِّكَاح كل يَوْم، وَفِيه أَن النِّكَاح عرض فَلَا يبْقى زمانين، فَلَزِمَ التجدد أَيْضا فِي صُورَة كَون الْمَعْقُود عَلَيْهِ إنسانيتها، وَإِنَّمَا لم يضف الْحل إِلَى الْبضْع لِأَن الْبضْع مَوضِع بدل الْعِوَض، مَعَ عدم قطع النّظر عَن الإنسانية؛ وَالْمعْنَى هَهُنَا أَن الإنسانية مورد الْحل؛ وَأَن وُرُود العقد على جسم مُتَقَوّم
وَمِنْهَا: مَسْأَلَة غسل الزَّوْج زَوجته الْميتَة، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة جَائِز بِدَلِيل غسل عَليّ فَاطِمَة لبَقَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْبدن، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك عِنْد الْحَنَفِيَّة بِنَاء على أَن مورد العقد الْمَعْنى الزائل بِالْمَوْتِ، فَتبْطل أَهْلِيَّة المملوكية، مَعَ أَن لَهَا غسل زَوجهَا الْمَيِّت فِي الْعدة أَلْبَتَّة، إِذْ الزَّوْجِيَّة مَمْلُوكَة لَهُ فَبَقيَ مالكيتها لَهُ إِلَى انْقِضَاء الْعدة
وَمِنْهَا: لَو طلق روحها وَقع على الْمَذْهَب، وَفِيه خلاف مَبْنِيّ على أَن الرّوح جسم أَو عرض
وَمِنْهَا: لَو علق طَلاقهَا على رُؤْيَة زيد فرأته حَيا أَو مَيتا وَقع، وَلم يُخرجهُ الْمَوْت عَن كَونه زيدا
وَمِنْهَا: إِذا وجد بعض الْمَيِّت هَل يَنْوِي الصَّلَاة على جملَة الْمَيِّت أَو على مَا وجد مِنْهُ؟ كالاختلاف بَين الْمُتَكَلِّمين فِي أَن الْعُضْو المبان هَل يحضر مَعَه وَيدخل الْجنَّة إِن كَانَ من أَهلهَا؟ ثمَّ الْإِنْسَان عِنْد عُلَمَاء الشَّرِيعَة جنس وَالْمَرْأَة كَالرّجلِ نوع
وَعند المناطقة: الْإِنْسَان نوع وَالْحَيَوَان جنس [ثمَّ اعْلَم أَن الشَّيْء هُوَ إِنْسَان فِي الْحَقِيقَة أَجزَاء لَطِيفَة سَارِيَة فِي هَذَا الْبدن، بَاقِيَة من أول الْعُمر إِلَى آخِره، إِمَّا لأجل أَن تِلْكَ الْأَجْسَام أجسام مُخَالفَة للماهية لهَذِهِ الْأَجْسَام العنصرية الكائنة الْفَاسِدَة المتحللة، وَتلك الْأَجْسَام حَيَّة لذاتها، مضيئة شفافة، فَلَا جرم كَانَت مصونة عَن التبدل والتحلل، وَإِمَّا لِأَنَّهَا كَانَت مُتَسَاوِيَة لهَذِهِ الْأَجْسَام العنصرية إِلَّا أَن الْفَاعِل الْمُخْتَار صانها عَن التَّغَيُّر والانحلال بقدرته، وَجعلهَا بَاقِيَة دائمة من أول الْعُمر إِلَى آخِره، فَعِنْدَ الْمَوْت تنفصل تِلْكَ الْأَجْزَاء الجسمانية الَّتِي هِيَ الْإِنْسَان، وَتبقى على حَالهَا حَيَّة مدركة عَاقِلَة فاهمة، وتتخلص إِمَّا إِلَى منَازِل السُّعَدَاء، وَإِمَّا إِلَى منَازِل الأشقياء
ثمَّ إِن الله تَعَالَى يضم يَوْم الْقِيَامَة إِلَى هَذِه الْأَجْزَاء الْأَصْلِيَّة أَجزَاء آخر زَائِدَة كَمَا فعل ذَلِك فِي الدُّنْيَا، ويوصل الثَّوَاب وَالْعِقَاب على مَا كَانَ مُطيعًا أَو عَاصِيا فِي الدُّنْيَا هَذَا على القَوْل بِأَن الْإِنْسَان جسم محسوس سَار فِي هَذَا الْبدن، وَكَذَا على قَول من يَقُول: إِن الْإِنْسَان عبارَة عَن جَوْهَر مُجَرّد عَن الحجمية والمقدار وَسَيَجِيءُ التَّفْصِيل فِي بحث الرّوح وَالنَّفس إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يعلم أَيْضا أَن] من عادات الْقُرْآن أَنه إِذا كَانَ الْمقَام مقَام التَّعْبِير عَن الْمُفْرد يذكر الْإِنْسَان نَحْو: {وكل إِنْسَان ألزمناه} وَإِذا كَانَ مقَام التَّعْبِير عَن الْجمع يذكر النَّاس نَحْو: {إِن الله لذُو فضل على النَّاس} وَلذَلِك لَا يذكر الْإِنْسَان إِلَّا وَالضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهِ مُفْرد، وَلَا يذكر النَّاس إِلَّا وَالضَّمِير الرَّاجِع إِلَيْهِ ضمير جمع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute