للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاعْلَم أَن أَرْبَاب الْحِكْمَة متطابقون وَأَصْحَاب الفلسفة متوافقون على أَن مبدأ الْعَالم مُوجب بِالذَّاتِ، وَالظَّاهِر أَن مُرَادهم من الْإِيجَاب أَنه قَادر على أَن يفعل وَيصِح مِنْهُ التّرْك، إِلَّا أَنه لَا يتْرك الْبَتَّةَ، وَلَا يَنْفَكّ عَن ذَاته الْفِعْل، لَا لاقْتِضَاء ذَاته إِيَّاه، بل لاقْتِضَاء الْحِكْمَة إيجاده، فَكَانَ فَاعِلا بِالْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَار، [كَمَا هُوَ الْحق] وَيشْهد لَهُ أَنهم يدعونَ الْكَمَال فِي الْإِيجَاب، وَلَا كَمَال فِيهِ على معنى الِاضْطِرَار، بِحَيْثُ لَا يقدر على التّرْك، فَلَا يَقُولُونَ بِالْإِيجَابِ على الْمَعْنى الْمَشْهُور فِيمَا بَين خصمائهم من فرق الْمُتَكَلِّمين

والمعتزلة مَعَ إيجابهم على الله مَا أوجبوه قَائِلُونَ بِكَوْنِهِ مُخْتَارًا بِلَا خوف مِنْهُم؛ وَعَامة النَّاس كَانُوا معتقدين فِي زمَان دَعْوَى النُّبُوَّة بِأَنَّهُ تَعَالَى قَادر مُخْتَار

وَالْقَوْل بِالْإِيجَابِ الْمَشْهُور إِنَّمَا حدث بَين الْملَّة الإسلامية بعد نقل الفلسفة إِلَى اللُّغَة

والإيجاب فِي عرف الْفُقَهَاء: عبارَة عَن مَا صدر على أحد الْمُتَعَاقدين أَولا

وَإِيجَاب العَبْد مُعْتَبر بِإِيجَاب الله، وَقد صَحَّ النّذر بقوله: (لله عَليّ أَن أعتكف شهرا) وَنَفس اللّّبْث فِي الْمَسْجِد لَيْسَ بقربى، إِذْ لَيْسَ لله من جنسه وَاجِب، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يَصح هَذَا النّذر لِأَن إِيجَاب العَبْد مُعْتَبر بِإِيجَاب الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا صَحَّ إِلْحَاقًا للنذر بِالصَّلَاةِ بِاعْتِبَار الْفَرْض أَو الشَّرْط، وَكَذَا إِذا قَالَ: (مَا لي أَو مَا أملك صَدَقَة) يَقع على مَال الزَّكَاة، وَالْقِيَاس أَن يَقع على كل المَال، لَكِن ترك الْقيَاس بذلك الأَصْل، فَإِن مَا أوجبه الله بقوله: {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة} انْصَرف إِلَى الفضول، لَا إِلَى كل المَال؛ فَكَذَا مَا يُوجِبهُ العَبْد إِلَى نَفسه

والإيجاب: يَسْتَدْعِي وجود الْمَوْضُوع

وَالسَّلب: لَا يستدعيه، بِمَعْنى أَن الْمُوجبَة إِن كَانَت خارجية وَجب وجود موضوعها محققا، وَإِن كَانَت حَقِيقِيَّة وَجب وجود موضوعها مُقَدرا

والسالبة لَا يجب فِيهَا وجود الْمَوْضُوع على ذَلِك التَّفْصِيل

الْآيَة: هِيَ فِي الأَصْل الْعَلامَة الظَّاهِرَة واشتقاقها من (أَي) لِأَنَّهَا تبين (أيا) عَن (أَي) وتستعمل فِي المحسوسات والمعقولات، يُقَال لكل مَا يتَفَاوَت بِهِ الْمعرفَة بِحَسب التفكر والتأمل فِيهِ، وبحسب منَازِل النَّاس فِي الْعلم آيَة وَيُقَال على مَا دلّ على حكم من أَحْكَام الله سَوَاء كَانَت آيَة أَو سُورَة أَو جملَة مِنْهَا

وَالْآيَة أَيْضا: طَائِفَة حُرُوف من الْقُرْآن علم بالتوقيف انْقِطَاع مَعْنَاهَا عَن الْكَلَام الَّذِي بعْدهَا فِي أول الْقُرْآن، وَعَن الْكَلَام الَّذِي قبلهَا فِي آخِره، وَعَن الَّذِي قبلهَا وَالَّذِي بعْدهَا فِي غَيرهمَا غير

<<  <   >  >>