للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون} لَا يتَعَيَّن كَون (بل) فِيهَا للإبطال، لاحْتِمَال كَون الإضراب فِيهَا عَن جملَة القَوْل لَا عَن الْجُمْلَة المحكية بالْقَوْل، وَجُمْلَة القَوْل إِخْبَار من الله تَعَالَى عَن مقالتهم، صَادِقَة غير بَاطِلَة، فَلم يُبْطِلهَا الإضراب، وَإِنَّمَا أَفَادَ الإضراب الِانْتِقَال من الْإِخْبَار عَن الْكفَّار إِلَى الْإِخْبَار عَن وصف مَا وَقع الْكَلَام فِيهِ من النَّبِي وَالْمَلَائِكَة

وَقَالَ ابْن عُصْفُور: (بل) و (لَا بل) وَإِن وَقع بعدهمَا جملَة كَانَا حرفي ابْتِدَاء ومعناهما الإضراب عَمَّا قبلهمَا واستئناف الْكَلَام الَّذِي بعدهمَا ثمَّ قَالَ: و (لَا) المصاحبة لَهَا لتأكيد معنى الإضراب؛ وَإِن وَقع بعدهمَا مُفْرد كَانَا حرفي عطف ومعناهما الإضراب عَن جعل الحكم للْأولِ وإثباته للثَّانِي

وَقد يكون (بل) بِمَعْنى (إِن) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بل الَّذين كفرُوا فِي عزة وشقاق} ، لِأَن الْقسم لَا بُد لَهُ من جَوَاب

وَقد تكون بِمَعْنى (هَل) كَقَوْلِه تَعَالَى: {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة}

و (بل) لَا يصلح أَن يصدر بهَا الْكَلَام؛ وَلِهَذَا يقدر فِي قَوْله: {بل فعله كَبِيرهمْ} مَا فعلته بل فعله

بلَى: هُوَ من حُرُوف التَّصْدِيق مثل (نعم) ، إِلَّا أَن (نعم) يَقع تَصْدِيقًا للْإِيجَاب وَالنَّفْي فِي الْخَبَر والاستفهام جَمِيعًا و (بلَى) يخْتَص بالمنفي، خَبرا أَو استفهاما على معنى أَنَّهَا إِنَّمَا تقع تَصْدِيقًا للمنفي على سَبِيل الْإِيجَاب، وَلَا تقع تَصْدِيقًا للمثبت أصلا؛ وَلِهَذَا قيل: قَائِل (بلَى) فِي جَوَاب {آلست بربكم} من الْأَرْوَاح مُؤمن، لِأَنَّهُ فِي قُوَّة (بلَى أَنْت رَبنَا) ، وَقَائِل (نعم) مِنْهَا كَافِر، لِأَنَّهُ فِي قُوَّة (نعم لست بربنا)

وَاسْتشْكل بعض الْمُحَقِّقين بِأَن (بلَى) إِذا كَانَت لإِيجَاب مَا بعد النَّفْي لم تكن تَصْدِيقًا لما سبقها، بل تَكْذِيبًا لَهُ وَالْجَوَاب أَنَّهَا وَإِن كَانَت تَكْذِيبًا للنَّفْي، لَكِنَّهَا تَصْدِيق للمنفي

و (بلَى) لَا يَأْتِي إِلَّا بعد نفي؛ و (لَا) لَا يَأْتِي إِلَّا بعد إِيجَاب؛ و (نعم) يَأْتِي بعدهمَا وَقد نظمت فِيهِ:

(بعد نفي قل نعم لَا بعد إِيجَاب كَذَا ... بعد إِيجَاب نعم لَا بعد إِيجَاب بلَى)

بعد: هُوَ من الظروف الزمانية أَو المكانية أَو الْمُشْتَركَة بَينهمَا وَله حالتان: إِمَّا الْإِضَافَة إِلَى اسْم عين، فَحِينَئِذٍ ظرف زمَان، أَو إِلَى اسْم معنى فظرف مَكَان وَإِمَّا الْقطع فَإِن كَانَ مُضَافا فَهُوَ مُعرب على حسب اقْتِضَاء العوامل من النصب أَو الْجَرّ وَلَا يكون مَرْفُوعا، إِلَّا أَن يخرج عَن الظَّرْفِيَّة، أَو يُرَاد مِنْهُ اللَّفْظ؛ وَإِن كَانَ مَقْطُوعًا عَن الْإِضَافَة فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْمُضَاف إِلَيْهِ منويا أَو منسيا؛ فَإِن كَانَ منسيا فَهُوَ مُعرب على حسب اقْتِضَاء العوامل أَيْضا، وَإِن كَانَ منويا فيبنى على الضَّم وَبِهِمَا قرئَ قَوْله تَعَالَى: {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} وَقَوْلهمْ بعد الْخطْبَة: (وَبعد) بِالضَّمِّ أَو الرّفْع مَعَ التَّنْوِين أَو الْفَتْح على تَقْدِير لفظ

<<  <   >  >>