إِلَى مديم كافتقار المعدومات إِلَى موجد، وَأما المتغيرات المحسوسة فَهِيَ فِي الماديات دون الإبداعيات: [وَلَو فرض انْقِطَاع فيضان نور الْوُجُود من الله تَعَالَى على الْعَالم فِي آن لم يبْق فِي الْخَارِج] والأشعري جعل الْبَقَاء من الصِّفَات، وَالصَّحِيح [أَنه لَيْسَ صفة وجودية زَائِدَة بل هُوَ نفس] الْوُجُود المستمر [أَي الْمَوْجُود فِي الزَّمَان الثَّانِي، فَيكون أخص من مُطلق الْوُجُود، كَمَا أَن الفناء أخص من مُطلق الْعَدَم لِأَنَّهُ الْعَدَم الطَّارِئ] وتفصيل ذَلِك هُوَ أَن الْبَارِي تَعَالَى بَاقٍ لذاته، خلافًا للأشعري، فَإِن عِنْده هُوَ بَاقٍ بِبَقَاء قَائِم بِذَاتِهِ، فَيكون صفة وجودية زَائِدَة على الْوُجُود، إِذْ الْوُجُود مُتَحَقق دون الْبَقَاء، وتتجدد بعده صفة هِيَ الْبَقَاء؛ والنافون للبقاء قَالُوا: الْبَقَاء هُوَ نفس الْوُجُود فِي الزَّمَان الثَّانِي لَا أَمر زَائِد عَلَيْهِ، إِذْ لَو كَانَ مَوْجُودا لَكَانَ بَاقِيا بِالضَّرُورَةِ، فَإِن كَانَ بَاقِيا بِبَقَاء آخر لزم التسلسل، أَو بِبَقَاء الذَّات لزم الدّور، أَو بِنَفسِهِ والذات بَاقِيَة بِبَقَاء الْبَقَاء فتنقلب الذَّات صفة وَالصّفة ذاتا وَهُوَ محَال، أَو بِبَقَاء قَائِم لَهُ تَعَالَى، فَيكون وَاجِب الْوُجُود لذاته وَاجِبا لغيره، وَهُوَ محَال أَيْضا
وَالتَّحْقِيق أَن الْمَعْقُول من بَقَاء الْبَارِي امْتنَاع عَدمه، [ومقارنة مَعَ الْأَزْمِنَة من غير أَن يتَعَلَّق بهَا كتعلق الزمانيات] ، كَمَا أَن الْمَعْقُول من بَقَاء الْحَوَادِث مُقَارنَة وجودهَا لأكْثر من زمَان وَاحِد بعد زمَان أول، وَذَلِكَ لَا يعقل فِيمَا لَيْسَ بِزَمَان، وَامْتِنَاع الْعَدَم ومقارنة الزَّمَان من الْأُمُور الاعتبارية الَّتِي لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج، ولفضل الْبَقَاء على الْعُمر وصف الله بِهِ، وقلما يُوصف بالعمر وَالْبَاقِي بِنَفسِهِ لَا إِلَى مُدَّة هُوَ الْبَارِي، وَمَا عداهُ بَاقٍ بِغَيْرِهِ وباق بشخصه إِلَى أَن يَشَاء الله أَن يفنيه كالأجرام السماوية، وَالْبَاقِي بنوعه وجنسه دون شخصه وجزئه كالإنسان والحيوانات، وَالْبَاقِي بشخصه فَهِيَ الْآخِرَة كَأَهل الْجنَّة، وبنوعه وجنسه هُوَ ثمار أهل الْجنَّة، كَمَا فِي الحَدِيث؛ وكل عبَادَة يقْصد بهَا وَجه الله فِيهِ الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
والبقية: مثل فِي الْجَوْدَة وَالْفضل، يُقَال: (فلَان بَقِيَّة الْقَوْم) أَي: خيارهم، وَمِنْه قَوْلهم: (فِي الزوايا خبايا وَفِي الرِّجَال بقايا)
وَبَقِيَّة الشَّيْء من جنسه، وَلَا يُقَال للأخر بَقِيَّة الْأَب
وَالْبَاقِي يسْتَعْمل فِيمَا يكون الْبَاقِي أقل، بِخِلَاف السائر، فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِيمَا يكون الْبَاقِي أَكثر؛ وَالصَّحِيح أَن كل بَاقٍ قل أَو كثر فالسائر يسْتَعْمل فِيهِ وَقيل: السائر بِالْهَمْزَةِ الْأَصْلِيَّة بِمَعْنى الْبَاقِي، وبالمبدلة من الْيَاء بِمَعْنى الْجَمِيع؛ وَالْأول أشهر فِي الِاسْتِعْمَال وَأثبت عِنْد أَئِمَّة اللُّغَة وَأظْهر فِي الِاشْتِقَاق
وَفِي " الْقَامُوس ": السائر: الْبَاقِي لَا الْجَمِيع
والبقاء أسهل من الِابْتِدَاء كبقاء النِّكَاح بِلَا شُهُود وامتناعه بِدُونِهَا ابْتِدَاء؛ وَجَوَاز الشُّيُوع فِي الْهِبَة بَقَاء لَا ابْتِدَاء، كَمَا إِذا وهب دَارا وَرجع فِي نصفهَا وشاع بَينهمَا فالشيوع الطَّارِئ لَا يمْنَع بَقَاء الْهِبَة؛ وَبَقَاء الشَّيْء الْوَاحِد فِي محلين فِي زمَان وَاحِد محَال، وَلذَا إِذا تمت الْحِوَالَة برِئ الْمُحِيل من الدّين بِقبُول الْمُحْتَال والمحال عَلَيْهِ، لِأَن معنى الْحِوَالَة النَّقْل، وَهُوَ يَقْتَضِي فرَاغ ذمَّة الْأَصِيل لِئَلَّا يلْزم بَقَاء الشَّيْء فِي محلين فِي زمَان وَاحِد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute