أَو بِالْعَكْسِ أَو من أحد الْأَمريْنِ إِلَى الآخر
والتعريف الْمَشْهُور للدليل: هُوَ الَّذِي يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِوُجُود الْمَدْلُول، وَلَا يخفى أَن الدَّلِيل والمدلول متضايفان كَالْأَبِ وَالِابْن فيكونان متساويين فِي الْمعرفَة والجهالة فَلَا يجوز أَخذ أَحدهمَا فِي تَعْرِيف الآخر لِأَن الْمُعَرّف يَنْبَغِي أَن يكون أجلى
والتعريف الْحسن الْجَامِع: أَنه هُوَ الَّذِي يلْزم من الْعلم أَو الظَّن بِهِ الْعلم أَو الظَّن بتحقق شَيْء آخر و (أَو) هَاهُنَا للتبيين أَي كل وَاحِد دَلِيل كَمَا يُقَال: الْإِنْسَان إِمَّا عَالم أَو جَاهِل، لَا للتشكيك كَمَا فِي: (علمت أَنه سمع أَو لَا)
والتعريف بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بتحقق شَيْء آخر هُوَ تَعْرِيف الدَّلِيل الْقطعِي لَا مُطلق الدَّلِيل الَّذِي هُوَ أَعم من أَن يكون قَطْعِيا أَو ظنيا
ثمَّ الدَّلِيل إِمَّا عَقْلِي مَحْض كَمَا فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة، أَو مركب من الْعقلِيّ والنقلي، لِأَن النقلي الْمَحْض لَا يُفِيد، إِذْ لَا بُد من صدق الْقَائِل، وَذَلِكَ لَا يعلم إِلَّا بِالْعقلِ وَإِلَّا لدار وتسلسل
وَدَلَائِل الشَّرْع خَمْسَة: الْكتاب، وَالسّنة، وَالْإِجْمَاع، وَالْقِيَاس، والعقليات الْمَحْضَة كالتلازم والتفاني والدوران، وَالثَّلَاثَة الأول نقلية والباقيان عقليان
وَالدَّلِيل الْقطعِي قد يكون عقليا وَقد يكون نقليا كالمتواتر، وَقَول النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مشافهة من النقليات مِمَّا ينْقل مشافهة]
وَالدَّلِيل الْمُرَجح إِن كَانَ قَطْعِيا كَانَ تَفْسِيرا، وَإِن كَانَ ظنيا كَانَ تَأْوِيلا
[وَالدَّلِيل إِن كَانَ مركبا من القطعيات كَانَ تحقق الْمَدْلُول أَيْضا قَطْعِيا وَيُسمى برهانا، وَإِن كَانَ مركبا من الظنيات أَو اليقينيات والظنيات كَانَ ثُبُوت الْمَدْلُول ظنيا، لِأَن ثُبُوت الْمَدْلُول فرع ثُبُوت الدَّلِيل وَالْفرع لَا يكون أقوى من الأَصْل وَيُسمى دَلِيلا إقناعيا وأمارة]
وَلَا يَخْلُو الدَّلِيل من أَن يكون على طَرِيق الِانْتِقَال من الْكُلِّي إِلَى الْكُلِّي فيسمى برهانا، أَو من الْكُلِّي إِلَى الْبَعْض فيسمى استقراء، أَو من الْبَعْض إِلَى الْبَعْض فيسمى تمثيلا
وَاسم الدَّلِيل يَقع على كل مَا يعرف بِهِ الْمَدْلُول، وَالْحجّة مستعملة فِي جَمِيع مَا ذكر، والبرهان نَظِير الْحجَّة، وَالْحجّة الإقناعية: هِيَ الَّتِي تقبل الزَّوَال بتشكيك المشكك، وَإِن كَانَ الْمَطْلُوب تصورا يُسمى طَرِيقه مُعَرفا، وَإِن كَانَ تَصْدِيقًا يُسمى طَرِيقه دَلِيلا
وَالدَّلِيل يَشْمَل الظني والقطعي، وَقد يخص بالقطعي وَيُسمى الظني أَمارَة، وَقد يخص بِمَا يكون الِاسْتِدْلَال فِيهِ من الْمَعْلُول إِلَى الْعلَّة وَيُسمى هَذَا برهانا آنيا، وَعَكسه يُسمى برهانا لميا، واللمي أولى وأفيد
يحْكى أَن الشَّيْخ أَبَا الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ قَالَ: حضر الشَّيْخ أَبُو سعيد ابْن أبي الْخَيْر مَعَ الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي فَقَالَ الْأُسْتَاذ: الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا: مَا رَأينَا شَيْئا إِلَّا ورأينا الله بعده، فَقَالَ أَبُو سعيد: ذَلِك مقَام المريدين أم الْمُحَقِّقُونَ فَإِنَّهُم مَا رَأَوْا شَيْئا إِلَّا وَكَانُوا قد رَأَوْا الله قبله