للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الوَاسِطِيّ: الشُّكْر شرك بِمَعْنى أَن من اعْتقد أَن حَمده وشكره يُسَاوِي نعم الله فقد أشرك، وَلِهَذَا يؤثرون فِي الْحَمد مَا يدل على الْعُمُوم دون التجدد والحدوث، وَإِنَّمَا جعل الْحَمد رَأس الشُّكْر لِأَن ذكر النِّعْمَة بِاللِّسَانِ وَالثنَاء على موليها أشيع من الِاعْتِقَاد، وآداب الْجَوَارِح لما فِي عمل الْقلب والجوارح من الخفاء وَالِاحْتِمَال، والنطق يفصح عَن كل خَفِي وَعَن كل مشبته، وَفِيه أَن دلَالَة الْأَفْعَال على مدلولاتها قَطْعِيَّة لَا يتَصَوَّر فِيهَا تخلف، بِخِلَاف الْأَقْوَال، فَإِن دلالتها وضعية، وَقد يتَخَلَّف عَنْهَا مدلولها

وشكر الْمُنعم عَلَيْهِ الْمُنعم على إحسانه خير لَهُ لِأَنَّهُ تمسك بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من أدّيت إِلَيْهِ نعْمَة فليشكرها " وَشر للمنعم، لِأَنَّهُ يصل إِلَيْهِ بعض الْجَزَاء فِي الدُّنْيَا، وَرُبمَا يُؤَدِّي إِلَى خلل فِي إخلاصه وغرور نَفسه فينتقص بِقَدرِهِ من ثَوَاب الْآخِرَة، وكفره خير للمنعم لانه يبقي ثَوَاب الْعَمَل كُله لَهُ فِي الْآخِرَة، وَشر لَهُ لِأَن كفران النِّعْمَة مَذْمُوم، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " من لم يشْكر النَّاس لم يشْكر الله "

الشَّفَاعَة: هِيَ سُؤال فعل الْخَيْر وَترك الضّر عَن الْغَيْر لأجل الْغَيْر على سَبِيل الضراعة، وَلَا تسْتَعْمل لُغَة إِلَّا بِضَم النَّاجِي إِلَى نَفسه من هُوَ خَائِف من سطوة الْغَيْر

و {من يشفع شَفَاعَة حَسَنَة} أَي: من يزدْ عملا إِلَى عمل

{وَلَا تنفعها شَفَاعَة} : أَي: مَا لَهَا شَافِع فتنفعها شَفَاعَته

وَمعنى (شافعا) و (مشفعا) : يطْلب الشَّفَاعَة لصَاحبه، وَيُعْطِي لَهُ الشَّفَاعَة

[وَالْخلاف بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة فِي الشَّفَاعَة فِي موضِعين: أَحدهمَا فِي معنى الشَّفَاعَة، وَالثَّانِي: فِي أَن الْمَشْفُوع لَهُ من هُوَ، فَمَعْنَى الشَّفَاعَة عندنَا طلب الْعَفو من الَّذِي وَقع لجناية فِي حَقه، وَعِنْدهم: طلب زِيَادَة الدَّرَجَات للمشفوع لَهُ، وَأما الْمَشْفُوع لَهُ فَصَاحب الْكَبِيرَة عندنَا، وَعِنْدهم هُوَ مُؤمن لم يجر عَلَيْهِ كَبِيرَة، أَو جرت وَتَابَ عَنْهَا]

قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالشَّفْع وَالْوتر} هُوَ الْخلق، لقَوْله: {وَمن كل شَيْء خلقنَا زَوْجَيْنِ} أَو هُوَ الله تَعَالَى لقَوْله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم}

وَالشَّفِيع: صَاحب الشَّفَاعَة أَو صَاحب الشُّفْعَة

[وبالشفاعة يمحو الله أثر الْعِصْيَان ويكفره بِالْإِحْسَانِ، وَيسْتر بهَا مَا لَيْسَ ظُهُوره من العَبْد مَحْمُودًا مِمَّن شَاءَ أَن يشفع من نَبِي أَو ولي، أَو لَا بشفاعة بل برحمته إِلَّا الْكفْر فَإِن أَهله مخلدون فِي النَّار وَاسْتِحْقَاق حرمَان الشَّفَاعَة لبَعض العصاة لَا يسْتَلْزم الْوُقُوع لجَوَاز أَن يشفعه بِسَبَب كَمَال شفعته لأمته العصاة، وَلَو استحقوا الحرمان بِسَبَب

<<  <   >  >>