للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ بَعضهم: معنوية وَذَلِكَ الْمَعْنى قديم وَهُوَ قَول الأشعرية، وَقَالَ بَعضهم: مُحدث، وَذَلِكَ الْمُحدث إِمَّا قَائِم بِاللَّه وَهُوَ قَول الكرامية؛ وَقَالَ بَعضهم: مَوْجُود لَا فِي مَحل، وَهُوَ قَول أبي عَليّ وَأبي هَاشم وأتباعهما، وَلم يقل أحد إِنَّه قَائِم بجسم آخر؛ فَإِذا اسْتعْمل فِي الله فَإِنَّهُ يُرَاد بِهِ الْمُنْتَهى وَهُوَ الحكم دون الْمُبْتَدَأ، فَإِنَّهُ يتعالى عَن معنى النُّزُوع؛ فَمَتَى قيل: أَرَادَ كَذَا، فَمَعْنَاه حكم فِيهِ أَنه كَذَا وَلَيْسَ بِكَذَا

وَلَفْظَة الْإِرَادَة: تطلق فِي الشَّاهِد وَالْغَائِب جَمِيعًا

وَلَفْظَة الْقَصْد: لَا تطلق إِلَّا فِي الْإِرَادَة الْحَادِثَة

والمشيئة فِي الأَصْل مَأْخُوذَة من الشَّيْء وَهُوَ اسْم للموجود وَهِي كالإرادة عِنْد أَكثر الْمُتَكَلِّمين، لِأَن الْإِرَادَة من ضرورتها الْوُجُود لَا محَالة، وَإِن كَانَتَا فِي أصل اللُّغَة مختلفتين فَإِن الْمَشِيئَة: لُغَة الايجاد والإرادة: طلب الشيئ؛ وَالْفرق بَينهمَا قَول للكرامية، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: مَشِيئَة الله صفة أزلية وإرادته صفة حَادِثَة فِي ذَاته الْقَدِيم وَالْحق أَنَّهُمَا إِذا أضيفا إِلَيْهِ تَعَالَى يكونَانِ بِمَعْنى وَاحِد، لِأَن الْإِرَادَة لله تَعَالَى من ضرورتها الْوُجُود لَا محَالة وَالْفرق بَينهمَا فِي حق الْعباد، وَذَلِكَ فِيمَا لَو قَالَ: (شيئي طَلَاقك) فَشَاءَتْ يَقع؛ وَفِي: (أريدي) فَأَرَادَتْ لَا يَقع؛ وَفِي قَوْله تَعَالَى: {يفعل الله مَا يَشَاء} و {يحكم مَا يُرِيد} رِعَايَة لهَذَا الْفرق، حَيْثُ ذكر الْمَشِيئَة عِنْد ذكره الْفِعْل الْمَخْصُوص بالموجود، وَذكر الْإِرَادَة عِنْد ذكره الحكم الشَّامِل للمعدوم أَيْضا

وَفِي " الزِّيَادَات " لمُحَمد فِي: (أَنْت طَالِق بِمَشِيئَة الله) لَا يَقع كَمَا فِي إِن شَاءَ الله؛ ولمشيئة الله بِاللَّامِ يَقع، كَذَا الْإِرَادَة؛ وَأما الْعلم فَإِنَّهُ يَقع من الْوَجْهَيْنِ

وَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين: وَمن الْفرق بَينهمَا أَن إِرَادَة الانسان قد تحصل من غير أَن تتقدمها إِرَادَة الله تَعَالَى، فَإِن الانسان قد يُرِيد أَن لَا يَمُوت ويأبى الله ذَلِك، ومشيئته لَا تكون إِلَّا بعد مَشِيئَته لقَوْله تَعَالَى: {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَالَ بَعضهم: لَو أَن الْأُمُور كلهَا مَوْقُوفَة على مَشِيئَة الله وَأَن أفعالنا مُتَعَلقَة بهَا وموقوفة عَلَيْهَا لما أجمع النَّاس على تَعْلِيق الِاسْتِثْنَاء بِهِ فِي جَمِيع أفعالنا

والمشيئة: ترجح بعض الممكنات على بعض، مَأْمُورا كَانَ أَو مَنْهِيّا، حسنا كَانَ أَو غَيره

والإرادة: قد يُرَاد بهَا معنى الْأَمر، إِلَّا أَن الْأَمر مفوض إِلَى الْمَأْمُور، إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل، والإرادة غير مفوض إِلَى أحد، بل يحصل كَمَا أَرَادَهُ المريد

والشهوة: ميل جبلي غير مَقْدُور للبشر بِخِلَاف الْإِرَادَة

وَكَذَلِكَ النفرة: فَإِنَّهَا حَالَة جبلية غير مقدورة بِخِلَاف الْكَرَاهَة؛ وَقد يَشْتَهِي الْإِنْسَان مَا لَا يُريدهُ بل يكرههُ، وَقد يُرِيد مَا لَا يَشْتَهِي بل ينفر عَنهُ، وَلِهَذَا قَالُوا: (إِرَادَة الْمعاصِي مِمَّا يُؤَاخذ عَلَيْهَا دون شهوتها) وَكَرَاهَة الطَّاعَات الشاقة يُؤَاخذ عَلَيْهَا دون النفرة مِنْهَا

وَالْكَرَاهَة: طلب الْكَفّ عَن الْفِعْل طلبا غير جازم كَقِرَاءَة الْقُرْآن مثلا فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود؛ وَهَذِه

<<  <   >  >>