للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي حَقهم كتمان شَيْء مِمَّا أمروا بتبليغه (لوُجُوب التَّبْلِيغ فِي حَقهم أَيْضا)

ثمَّ اعْلَم أَن مَا أَمرهم الله من الشَّرْع وَتَقْرِيره وَمَا يجْرِي مجراهما من الْأَفْعَال كتعليم الْأمة بِالْفِعْلِ فهم معصومون فِيهِ من السَّهْو والغلط

وَأما مَا لَيْسَ من هذَيْن الْقسمَيْنِ، أَعنِي بِهِ مَا لَيْسَ طَرِيقه الإبلاغ بل يخْتَص بِهِ الْأَنْبِيَاء من أُمُور دينهم وأفكار قُلُوبهم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يَفْعَلُونَهُ، لَا ليتبعوا فِيهِ فَإِنَّهُم فِيهِ كغيرهم من الْبشر فِي جَوَاز السَّهْو والغلط، هَذَا مَا عَلَيْهِ أَكثر الْعلمَاء خلافًا لجَماعَة المتصوفة وَطَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين حَيْثُ منعُوا السَّهْو وَالنِّسْيَان والغفلات والعثرات جملَة فِي حَقهم

وَأما قصصهم فَمَا كَانَ مَنْقُولًا بالآحاد وَجب ردهَا لِأَن نِسْبَة الْخَطَأ إِلَى الروَاة أَهْون من نِسْبَة الْمعاصِي إِلَى أَنْبيَاء الله وَمَا ثَبت مِنْهَا تواترا فَمَا دَامَ لَهُ محمل آخر حملناه عَلَيْهِ، ونصرفه عَن ظَاهره لدلائل الْعِصْمَة وَمَا لم نجد لَهُ محيصا حكمنَا على أَنه كَانَ قبل الْبعْثَة، لأَنهم جوزوا صُدُور الْمعْصِيَة على سَبِيل الندور كقصة إخْوَة يُوسُف فَإِن إخْوَته صَارُوا أَنْبيَاء، أَو من قبيل ترك الأولى، أَو من صغائر صدرت عَنْهُم سَهوا، أَو من قبيل الِاعْتِرَاف بِكَوْنِهِ ظلما مِنْهُم، أَو من قبيل التَّوَاضُع وهضم النَّفس وَغير ذَلِك من المحامل

فواقعة آدم نِسْيَان، [أَو من قبيل ترك الأولى] أَو قبل النُّبُوَّة بِدَلِيل {ثمَّ اجتباه} وَالْمُدَّعِي مطَالب بِالْبَيَانِ [وَقَول سيدنَا نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: {إِن ابْني من أَهلِي} فالأصواب فِيهِ مَا ذكره الإِمَام أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله أَنه كَانَ عَن سيدنَا نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ان ابْنه على دينه، لِأَنَّهُ كَانَ ينافق وَأولُوا] كَلَام الْخَلِيل: {هَذَا رَبِّي} على سَبِيل الْفَرْض ليبطله [وبإضمار الِاسْتِفْهَام أَو يُرِيد أَنهم كَذَا يَقُولُونَ، كَمَا تَقول إِذا أردْت إبِْطَال القَوْل بقدم الْأَجْسَام: (الْجِسْم قديم) أَي كَذَا يَقُول الْخصم، ثمَّ تَقول: لوكان قَدِيما لم يكن متغيرا فَكَذَا {لَا أحب الآفلين} أَي لَو كَانَ رَبًّا لما تغير {بل فعله كَبِيرهمْ} مُعَلّق بِالشّرطِ، وَانْتِفَاء الشَّرْط يسْتَلْزم انْتِفَاء الْمَشْرُوط فَالْمَعْنى أَنهم لم يَفْعَلُوا، أَو هُوَ مثل قَوْلك لمن يظنّ أَنَّك لَا تحسن الْكِتَابَة وَأَنت مَشْهُور بِحسن الْخط فَيَقُول أَنْت كتبت: بل كتبت أَنْت

و {إِنِّي سقيم} أَي سقيم الْقلب من الْحزن وَالْغَم بِسَبَب عنادهم، أَو عرف أَنه سيصير سقيما فِي الْمُسْتَقْبل فَقَالَ: إِنِّي سقيم فِي ذَلِك الْوَقْت، فَلَعَلَّ الله تَعَالَى أخبر بِأَنَّهُ مهما طلع النَّجْم الْفُلَانِيّ فَإنَّك تمرض وَاسْتشْكل هَذِه التأويلات مَا روى الْحسن رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: لم يكذب إِبْرَاهِيم غير ثَلَاث مَرَّات " إِلَى آخر الحَدِيث وَالْجَوَاب بِأَن مَعْنَاهُ لم يتَكَلَّم بِكَلَام صورته صُورَة الْكَذِب وَإِن كَانَ حَقًا فِي الْبَاطِن إِلَّا هَذِه الْكَلِمَات، وَلَك أَن تَقول: إِن ذَلِك كَانَ قبل

<<  <   >  >>