" حَتَّى يضع الْجَبَّار فِيهَا قدمه ": أَي الَّذين قدمهم من الأشرار فَإِنَّهُم قدم الله للنار، كَمَا أَن الأخيار قدمه إِلَى الْجنَّة وَوضع الْقدَم مثل للرَّدّ والقمع، أَي يَأْتِي لِجَهَنَّم أَمر يكفها عَن طلب الْمَزِيد
وَقد يكون الْقدَم كِنَايَة عَن الْعَمَل الَّذِي يتَقَدَّم فِيهِ لَا يَقع فِيهِ تَأْخِير وَلَا إبطاء
وَأطلق الْقدَم على هَذِه الْمعَانِي لما أَن السَّعْي والسبق لَا يحصل إِلَّا بالقدم فَسُمي الْمُسَبّب باسم السَّبَب، كَمَا سميت النِّعْمَة يدا لِأَنَّهَا تُعْطى بِالْيَدِ
الْقَدِيم: هُوَ عبارَة عَمَّا لَيْسَ قبله زَمَانا شَيْء، وَقد يُقَال على مَا مر عَلَيْهِ حول وَلِهَذَا قَالُوا: من قَالَ: (كل عبد قديم لي فَهُوَ حر) يحمل على من مضى عَلَيْهِ عِنْده سنة
وَقد يُطلق على الْمَوْجُود الَّذِي لَا يكون وجوده من الْغَيْر
وَقد يُطلق أَيْضا على الْمَوْجُود الَّذِي لَيْسَ وجوده مَسْبُوقا بِالْعدمِ
وَالْأول: هُوَ الْقَدِيم بِالذَّاتِ، (وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ) ويقابله الْحَادِث بِالذَّاتِ
وَالثَّانِي: هُوَ الْقَدِيم بِالزَّمَانِ، ويقابله الْمُحدث بِالزَّمَانِ
[وَمَا ذهب الفلاسفة وَبَعض قدماء أَصْحَابنَا إِلَى أَن الْقَدِيم هُوَ الْمَوْصُوف الَّذِي لَا أول لوُجُوده مدحول من وَجْهَيْن: الأول: أَن الْقَدِيم قد يُطلق حَقِيقَة على الْوُجُود والعدم فَإِن الْحَوَادِث الْمَوْجُودَة فِي وقتنا هَذَا مَعْدُومَة فِي الْأَزَل، وَعدمهَا قديم أزلي فَلَا يكون قَوْلهم جَامعا
وَالثَّانِي: الْقَدِيم وَإِن كَانَ مُخْتَصًّا بالوجود إِلَّا أَنه أَيْضا غير جَامع، فَإِن الْقَدِيم قد يُطلق أَيْضا على مَا عتق وطالت مدَّته بطرِيق الْمُبَالغَة، وَالْأَصْل فِي الْإِطْلَاق الْحَقِيقَة إِلَّا أَن يدل الدَّلِيل على إِرَادَة التَّجَوُّز وَالْأَصْل عَدمه، فَإِذا كَانَ حَقِيقَة فَيجب أَن يكون الْقَدِيم جَامعا لما لَا أول لَهُ وَلذَلِك قَالَ الْأَشْعَرِيّ: الْقَدِيم هُوَ الْمُتَقَدّم فِي الْوُجُود على شَرط الْمُبَالغَة، وَهُوَ وَإِن كَانَ أَعم من الَّذِي قبله لتنَاوله مَا لَا أول لوُجُوده وَمَا لوُجُوده أول إِلَّا أَنه غير جَامع بِالنّظرِ إِلَى الْعَدَم الْقَدِيم، فَالْأولى أَن يُقَال: الْقَدِيم هُوَ الْمَوْصُوف بالقدم فِي حَقِيقَة شَرط الْمُبَالغَة فَإِنَّهُ يعم الْوُجُود والعدم وَمَا لَا أول لَهُ وَمَا لَهُ أول] (وَالله سُبْحَانَهُ كَانَ مَوْجُودا قبل خلق السَّمَوَات قبلية بِالزَّمَانِ الْمُقدر عندنَا وَالْقَدِيم الزماني لَا يحْتَاج إِلَى الْمُؤثر عندنَا خلاف الفلاسفة)
وَالأَصَح أَن الْقدَم صفة سلبية، أَي لَيست بِمَعْنى أَنَّهَا مَوْجُودَة فِي نَفسهَا كَالْعلمِ مثلا، وَإِنَّمَا هِيَ عبارَة عَن سلب الْعَدَم السَّابِق للوجود، أَو عدم الأولية للوجود، أَو عدم افْتِتَاح الْوُجُود، أَو اسْتِمْرَار الْوُجُود فِي الْمَاضِي، وَالْكل بِمَعْنى وَاحِد (فِي حَقه تَعَالَى بِاعْتِبَار ذَاته وَصِفَاته) ] يُوصف بِهِ ذَات الله اتِّفَاقًا وَصِفَاته عِنْد الأشاعرة كَمَا فِي " شرح الْمَقَاصِد " وَفِي " المحصل ": أهل السّنة أثبتوا القدماء وَهِي ذَات الله وَصِفَاته لَكِن زعم ناقده أَن