الْمعرفَة: [فِي اصْطِلَاح النُّحَاة] كل اسْم خص وَاحِدًا بِعَيْنِه من جنسه فَهُوَ الْمعرفَة
[وَهِي أول فرض افترضه الله على خلقه كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} ، وَالْمرَاد الْمعرفَة الإيمانية لَا الْمعرفَة بكنه الْحَقِيقَة لِأَن الْمعرفَة فِي الإطلاع على الْحَقَائِق إِمَّا ممتنعة كَمَا فِي الْوَاجِب، أَو متعذرة كَمَا فِي الْجَوَاهِر غير المادية كالجواهر القدسية والأرواح البشرية، أَو متعسرة كالجواهر المادية وَمَا يتبعهَا من الْأَعْرَاض إِلَّا أَنه لَا يلْزم عَن ذَلِك عدم معرفَة الْبشر بأحوال تِلْكَ الْحَقَائِق وَلِهَذَا يُمكن للبشر معرفَة صِفَات الْبَارِي تَعَالَى وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْوَال وَمذهب أهل الْحق أَعنِي جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين هُوَ أَن الْعلم بِحَقِيقَة الْوَاجِب تَعَالَى حَاصِل للبشر وَإِن قَالَ بِعَدَمِهِ كثير من الْمُحَقِّقين
وَقَالَ ابْن العميد: بَلغنِي من حثالة النَّاس أَنهم ظنُّوا ظنا فَاسِدا كاسدا وَزَعَمُوا زعما بَاطِلا عاطلا فَقَالُوا: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يعرف الله حق مَعْرفَته وافتروا فِي ذَلِك حَدِيثا وَهَذَا عَن قَائِله مَعْصِيّة كَبِيرَة وَجِنَايَة عَظِيمَة {كَبرت كلمة تخرج من أَفْوَاههم إِن يَقُولُونَ إِلَّا كذبا} وَكَيف يُقَال مثل ذَلِك وَقد قيل فِيهِ: وعلمك مَا لم تكن تعلم
وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي أَنه هَل يُمكن علمهَا فِي الْآخِرَة عقلا أم لَا؟ فَقَالَ بَعضهم: نعم يُمكن ذَلِك لحُصُول الرُّؤْيَة فِيهَا وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: الرُّؤْيَا لَا تفِيد الْعلم بِالْحَقِيقَةِ، وَتوقف الْبَعْض قَالَ البُلْقِينِيّ رَحمَه الله: وَالصَّحِيح أَنه لَا سَبِيل للعقول إِلَى ذَلِك
ثمَّ الْمعرفَة بِالدَّلِيلِ الإجمالي فرض عين لَا مخرج عَنهُ لأحد من الْمُكَلّفين، وبالتفصيل فرض كِفَايَة لَا بُد أَن يقوم بِهِ الْبَعْض
والمعرفة تقال للإدراك الْمَسْبُوق بِالْعدمِ ولثاني الإدراكين إِذا تخللهما عدم ولإدراك الجزئي ولإدراك الْبَسِيط كَمَا فِي الْعلم يُقَال لحُصُول صُورَة الشَّيْء عِنْد الْعقل وللاعتقاد الْجَازِم المطابق الثَّابِت ولإدراكه الْكُلِّي، ولإدراك الْمركب
والمعرفة قد تقال فِيمَا يدْرك آثاره وَإِن لم تدْرك ذَاته وَالْعلم لَا يُقَال إِلَّا فِيمَا تدْرك ذَاته
والمعرفة تقال فِيمَا لَا يعرف إِلَّا كَونه مَوْجُودا فَقَط، وَالْعلم أَصله أَن يُقَال فِيمَا يعرف وجوده وجنسه وكيفيته
والمعرفة يُقَال فِيمَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ بتفكر وتدبر، وَالْعلم قد يُقَال فِي ذَلِك وَفِي غَيره]
والمعارف كلهَا إِذا نوديت تنكرت ثمَّ تكون معارف بالنداء، هَذَا قَول الْمبرد وَهُوَ الصَّوَاب كإضافة الْأَعْلَام
والمعرفة فِي لَفظهَا إِشَارَة إِلَى أَن مفهومها مَعْهُود مَعْلُوم بِوَجْه مَا بِخِلَاف النكرَة فَإِن مَعْنَاهَا وَإِن كَانَت مَعْلُومَة للسامع أَيْضا لَكِنَّهَا لَيست فِي لَفظهَا إِشَارَة إِلَى تِلْكَ المعلومية، وَبِهَذَا يظْهر بَين كَون الضمائر الراجعة إِلَى النكرَة معرفَة مَعَ كَون المرجوع إِلَيْهِ نكرَة، وَبَين كَون الْمُعَرّف بلام الْعَهْد معرفَة مَعَ كَون الْمَعْهُود نكرَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {كَمَا أرسلنَا إِلَى فِرْعَوْن رَسُولا فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول}
والمعرفة لَا يجوز أَن تكون صفة لنكرة، وَلِهَذَا