لا تعارض على هذين الاحتمالين وحيث لا تعارض فلا نسخ ولكن هذين الرأيين وإن وافقا الرأي السابق في إحكام الآية فهما مبنيان على تأويل في معنى الآية يخالف الظاهر كما هو ظاهر نعم إن آية {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ناسخة لما كان واجبا بالسنة من وجوب استقبال بيت المقدس على رأي من لا يمنع نسخ السنة بالقرآن.
الآية الثانية
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} فإنها تفيد أن الوصية للوالدين والأقربين فرض مكتوب وحق واجب على من حضرهم الموت من المسلمين وقد اختلف في نسخ هذه الآية وفي ناسخها فالجمهور على أنها منسوخة وأن ناسخها آيات المواريث وقيل إنها منسوخة بالسنة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" وقيل منسوخة بإجماع الأمة على عدم وجوب الوصية للوالدين والأقربين وقيل إنها محكمة لم تنسخ ثم اختلف هؤلاء القائلون بالإحكام فبعضهم يحملها على من حرم الإرث من الأقربين وبعضهم يحملها على من له ظروف تقضي بزيادة العطف عليه كالعجزة وكثيري العيال من الورثة.
ورأيي أن الحق مع الجمهور في أن الآية منسوخة وأن ناسخها آيات المواريث أما القول بإحكامها فتكلف ومشي في غير سبيل لأن الوالدين وقد جاء ذكرهما في الآية لا يحرمان من الميراث بحال ثم إن أدلة السنة متوافرة على عدم جواز الوصية لوارث محافظة على كتلة الوارثين أن تتفتت وحماية للرحم من القطعية التي نرى آثارها السيئة بين من زين الشيطان لمورثهم أن يزرع لهم شجرة الضغينة قبل موته بمفاضلته بينهم في الميراث عن طريق الوصية.