للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا} فإن وجود الأكل متعلق بالدخول والدخول موصل إلى الأكل فالأكل وجوده معلق بوجوده بخلاف {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا} لأن السكنى مقام مع طول لبث والأكل لا يختص وجوده بوجوده لأن من يدخل بستانا قد يأكل منه مجتازا فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجواب بالابتداء وجب العطف بالواو دون الفاء اهـ.

تفاوت القوى والقدر:

ولا ريب أن القوى والقدر تتفاوت تفاوتا بعيدا فيما نعرف من الأحوال ومناسباتها وأن ميدان الاختيار فسيح مليء بشتى الألوان والصور للمفردات ومركباتها فماذا عسى أن تبلغ قدرة الإنسان في استعراض كل هذه الألوان والصور وفي إقامة ميزان دقيق بينها تمهيدا لحسن الاختيار على ضوء تلك الأحوال المقتضية لما ينبغي أن يكون منها هنا ينفسح المجال ثم ينفسح فما يهتدي إليه متكلم قد يغفل عنه متكلم وما يتيقظ له كاتب قد يغفل عنه كاتب وما يدركه شاعر قد يفوت شاعرا آخر بل ما يدركه الإنسان الواحد في موضع قد يخطئه في موضع سواه وهكذا.

وليس من غرضنا هنا أن نستقصي الأحوال والمناسبات ولا أن نضرب الأمثال والشواهد لكل حال وما يناسبها فلذلك محله من علوم اللغة وكتبها كما قلنا ولكن الذي نريد أن نضع يدك عليه في هذا المقام هو أن أسلوب أي كلام بليغ معناه صورته الفنية أو طابعه الخاص أو مزاجه الشخصي الذي تهيأ له برعاية صاحبه لجملة الأحوال ومناسباتها في هذا الكلام وأنه على حسب ما تحتوي أساليب الكلام من الأحوال والمناسبات يتفاوت هذا الكلام في درجات البلاغة علوا ونزولا وفي حظه عند السامعين ردا وقبولا وأنه لم يظفر الوجود بكلام إلهي ولا بشري بلغ الطرف الأعلى في البلاغة ووصل إلى قمة الإعجاز من هذه الناحية غير القرآن الكريم لأن منشئ هذا الكتاب هو وحده الذي تعلقت إرادته بأن تكون معجزة نبي الإسلام من هذا الطراز لحكمة شرحناها وقد تعرض لها فيما يأتي ولأنه سبحانه هو الذي انتهت إليه الإحاطة بجميع أحوال الخلق وحده

<<  <  ج: ص:  >  >>