للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوم يقومون قومه ديانة صحيحة، يكونون في ذلك مخلصين لله، مصلحين فيما عملوه ويستقيم لهم ذلك حتى يصبروا على ما أوذوا، فهؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم من خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله.

وقوم يجتمع فيهم هذا وهذا، وهم غالب المؤمنين، فمن فيه دين وله شهوة تجتمع في قلوبهم إرادة الطاعة وإرادة المعصية، وربما غلب هذا تارة وهذا تارة.

وهذه القسمة الثلاثية كما قيل: الأنفس ثلاث: أمارة ومطمئنة ولوامة، فالأولون هم أهل الأنفس الأمارة التي تأمرهم بالسوء، والأوسطون: هم أهل النفوس المطمئنة التي قيل فيها: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي، والآخرون: هم أهل النفوس اللوامة التي تفعل الذنب ثم تلوم عليه، وتتلوم تارة كذا وتارة كذا، أو تخلط عملا صالحا وأخر سيئا، وهؤلاء يرجى أن يتوب عليهم إذا اعترفوا بذنوبهم، كما قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيم} " (١).

- أصل وسبب الفرقة والفتن ترك الإنكار بالطريقة الشرعية:

قال - رحمه الله-: " وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان، فقد يذنب الرجل أو الطائفة، ويسكت أخرون عن الأمر والنهي فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا، إذ الإنسان ظلوم جهول، والظلم والجهل أنواع، فيكون ظلم الأول وجهله من نوع، وظلم كل من الثاني والثالث وجهلهما من نوع أخر وأخر، ومن تدبر الفتن الواقعة رأى سببها ذلك، ورأى أن ما وقع بين أمراء الأمة وعلمائها ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشايخها ومن تبعهم من العامة من الفتن هذا أصلها" (٢).


(١) الاستقامة: ٢/ ٢٤٩ - ٢٥٢.
(٢) الاستقامة: ٢/ ٢٤١.

<<  <   >  >>