للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضا -رحمه الله-: " والشجاعة ليست هي قوة البدن فقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب وإنما هي قوة القلب وثباته؛ فإن القتال مداره على قوة البدن وصنعته للقتال وعلى قوة القلب وخبرته به، والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة دون التهور الذي لا يفكر صاحبه ولا يميز بين المحمود والمذموم، ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح، فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد، وقد تقدم أن جماع ذلك هو الصبر؛ فإنه لا بد منه، والصبر صبران: صبر عند الغضب، وصبر عند المصيبة كما قال الحسن رحمه" (١).

[عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لصعوبة خصال الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر انتقال من معصية إلى معصية:

قال - رحمه الله-: " وليعلم أن اشتراط هذه الخصال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يوجب صعوبته على كثير من النفوس فيظن أنه بذلك يسقط عنه فيدعه، وذلك قد يضره أكثر مما يضره الأمر بدون هذه الخصال أو أقل؛ فإن ترك الأمر الواجب معصية، وفعل ما نهى عنه في الأمر معصية، فالمنتقل من معصية إلى معصية أكبر منها كالمستجير من الرمضاء بالنار، والمنتقل من معصية إلى معصية كالمتنقل من دين باطل إلى دين باطل؛ قد يكون الثاني شرا من الأول، وقد يكون دونه، وقد يكونان سواء، فهكذا تجد المقصر في الأمر والنهي والمعتدي فيه قد يكون ذنب هذا أعظم، وقد يكون ذنب ذاك أعظم، وقد يكونان سواء، ومن المعلوم بما أرانا الله من آياته في الآفاق وفي أنفسنا، وبما شهد به في كتابه أن المعاصي سبب المصائب، فسيئات المصائب والجزاء هي من سيئات الأعمال، وأن الطاعة سبب النعمة؛ فإحسان العبد العمل سبب لإحسان الله، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير}، وقال تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ}، وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}، وقال: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِير}، وقال: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُور}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون} " (٢).


(١) الاستقامة: ٢/ ٢٧٠ - ٢٧١.
(٢) الاستقامة: ٢/ ٢٣٣ - ٢٣٥.

<<  <   >  >>