للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الناس أربعة أصناف في الشجاعة والسماحة]

قال - رحمه الله-: " ولهذا كان الناس أربعة أصناف: من يعمل لله بشجاعة وبسماحة فهؤلاء هم المؤمنون المستحقون للجنة، ومن يعمل لغير الله بشجاعة وسماحة فهذا ينتفع بذلك في الدنيا وليس له في الآخرة من خلاق، ومن يعمل لله لكن بلا شجاعة ولا سماحة فهذا فيه من النفاق ونقص الإيمان بقدر ذلك، ومن لا يعمل لله ولا فيه شجاعة ولا سماحة فهذا ليس له دنيا ولا آخرة، فهذه الأخلاق والأفعال يحتاج إليها المؤمن عموما وخصوصا في أوقات المحن والفتن الشديدة؛ فإنهم يحتاجون إلى صلاح نفوسهم ودفع الذنوب عن نفوسهم عند المقتضي للفتنة عندهم، ويحتاجون أيضا إلى أمر غيرهم ونهيه بحسب قدرتهم، وكل من هذين الأمرين فيه من الصعوبة ما فيه؛ وإن كان يسيرا على من يسره الله عليه، وهذا لأن الله أمر المؤمنين بالإيمان والعمل الصالح، وأمرهم بدعوة الناس وجهادهم على الإيمان والعمل الصالح، كما قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور}، وكما قال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد}، وكما قال: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز}، وكما قال: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون} " (١).

- من هو الشجاع الشديد؟ :

قال - رحمه الله-: " أصل ذلك هو الصبر على المؤلم، وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على المؤلم، والمؤلم إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضب، وإن كان مما لا يمكن دفعه أثار الحزن، ولهذا يحمر الوجه عند الغضب لثوران الدم عند استشعار القدرة، ويصفر عند الحزن لغور الدم عند استشعار العجز، ولهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون الرقوب فيكم؟ قالوا: الرقوب الذي لا يولد له، قال: ليس ذاك بالرقوب! ولكن الرقوب: الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئا، ثم قال: ما تعدون الصرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، فقال ليس بذلك؛ ولكن الصرعة: الذي يملك نفسه عند الغضب»، فذكر ما يتضمن الصبر عند المصيبة، والصبر عند الغضب" (٢).


(١) الاستقامة: ٢/ ٢٨٥ - ٢٨٦.
(٢) الاستقامة: ٢/ ٢٧٢ - ٢٧٣.

<<  <   >  >>