للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا كان قد أوجب في أقل الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولى أحدهم: كان هذا تنبيهًا على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك، ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها دينًا يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان من أفضل الأعمال الصالحة، حتى قد روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أن أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغض الخلق إلى الله إمام جائر» " (١).

- لا بد عند الاجتماع من رأس:

قال - رحمه الله-: " ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا تمام للدين ولا للدنيا إلا بها؛ فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض تعاونا وتناصرا؛ يتعاونون على جلب المنفعة، ويتناصرون لدفع المضرة، إذ الواحد منهم لا يقدر وحده على جلب جميع منافعه، ودفع جميع مضاره.

ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم»، رواه أبو داود، من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة ...

فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع التي هي أكثر وأدوم؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة.

وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة؛ ولهذا روي: «أن السلطان ظل الله في الأرض»، ويقال: «ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان»، والتجربة تبين ذلك" (٢).

- من هم أولو الأمر، وما أثرهم؟

قال - رحمه الله-: " وأولو الأمر صنفان: الأمراء والعلماء، وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس" (٣).


(١) قاعدة في الحسبة ضمن مجموع الفتاوى: ٢٨/ ٦٥.
(٢) السياسة الشرعية: ٢٣٢ - ٢٣٣.
(٣) السياسة الشرعية: ٢٢٨ - ٢٢٩.

<<  <   >  >>