للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضا- رحمه الله-: " وهذه حال كثير من المتدينة يتركون ما يجب عليهم من أمر ونهي وجهاد يكون به الدين لله، وتكون به كلمة الله هي العليا لئلا يفتنوا بجنس الشهوات، وهم قد وقعوا في الفتنة التي هي أعظم مما زعموا أنهم فروا منه، وإنما الواجب عليهم القيام بالواجب من الأمر والنهي وترك المحظور، والاستعانة بالله على الأمرين، ولو فرض أن فعل الواجب وترك المحظور وهما متلازمان، وإنما تركوا ذلك لكون نفوسهم لا تطاوعهم إلا على فعلهما جميعا أو تكرهما جميعا مثل كثير ممن يحب الرياسة أو المال أو شهوات الغي فإنه إذا فعل ما وجب عليه من أمر ونهي وجهاد وإمارة ونحو ذلك فلا بد أن يفعل معها شيئا من المحظورات؛ فالواجب عليه أن ينظر أغلب الأمرين، فإن كان المأمور أعظم أجرا من ترك ذلك المحظور لم يترك ذلك لما يخاف أن يقترن به ما هو دونه في المفسدة، وإن كان ترك المحظور أعظم أجرا لم يفوت ذلك برجاء ثواب فعل واجب يكون دون ذلك، فذلك يكون بما يجتمع له من الأمرين من الحسنات والسيئات فهذا هذا، وتفصيل ذلك يطول" (١).

وقال أيضا- رحمه الله-: " وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات؛ فالواجبات والمستحبات لا بد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة؛ إذ بهذا بعثت الرسل وأنزلت الكتب والله لا يحب الفساد، بل كل ما أمر الله به فهو صلاح، وقد اثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين امنوا وعملوا الصالحات، وذم الفساد والمفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما امر الله به؛ وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم، إذ المؤمن عليه أن يتقى الله في عباد الله وليس عليه هداهم، وهذا من معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضال، وذلك يكون تارة بالقلب وتارة باللسان وتارة باليد" (٢).


(١) الاستقامة: ٢/ ٢٩١.
(٢) الاستقامة: ٢/ ٢١١ - ٢١٢.

<<  <   >  >>